أبدع حاسب وأبدع نظام تشغيل
17- التصميم الذكي
هناك سؤال مهم، قد يسأله الكثيرون لأنفسهم:
إذا كان كل ما ذكرناه في هذا الموضوع صحيحا، عن وجود تصميم مبهر في تركيب الكائنات الحية، سواء على المستوى الجسدي، أو المستوى المعلوماتي، فلماذا ما زالت نظرية داروين تدرس في المدارس والجامعات إلى يومنا هذا، وتسوق على أنها نظرية علمية صحيحة؟
للإجابة عن هذا السؤال، عليكم مشاهدة فيلم وثائقي صدر عام 2008، وهو بعنوان:
وأنا أؤكد لكم، أنه سيمنحكم الإجابة الشافية عن هذا السؤال، وأنكم ستجدونه ذا مصداقية عالية، لأنه يجري لقاءات بين أنصار نظرية التصميم الذكي، ومن يحاربونها من أنصار نظرية التطور، وهذا عكس ما يحدث في الأفلام التي تنتجها الجهات المؤيدة للداروينية، التي لا تقدم إلا الداروينيين وتحاول أن توهم المتفرج بقوة أدلتهم، استنادا إلى عدم تخصصه وقلة ثقافته العلمية!.. لكن ليت الأمر يتوقف عند هذا الحد، بل إن كل من يعارض نظرية داروين في الأوساط العلمية أو الإعلامية، يتم رفته من وظيفته والتشهير به.. وسنلتقي بالعديد ممن حدث لهم هذا في فيلم "مطرودون Expelled".. أنتم الآن تفهمون سبب تسمية الفيلم بهذا الاسم!
ولكن هل نظرية التصميم الذكي نظرية علمية، أم علم زائف كما يدعي الداروينيون؟
يظن البعض أنه من المستحيل أن نجلس في المختبر لنرى الإله.. لكن العلم لا يتعلق فقط بما نراه في المختبر، بل يتعلق أيضا بالبحث في الفرضيات ومدى صمودها أمام المعايير العلمية والقواعد الرياضية.. وعند البحث في ادعاء الداروينيين بأن الأنماط والنظم الموجودة في الكائنات الحية تولدت تدريجيا بالصدفة من خلال طفرات عشوائية عمياء، أثبتت الرياضيات وحسابات الاحتمال بما لا يدع مجالا للشك أن هذا مستحيل!.. فإذا استبعدنا فكرة الصدفة، فإن الاحتمال العلمي الوحيد المتبقي هو: وجود مصمم واع ذكي له قصد أنشأ هذه النظم.. هذا كلام علمي بحت، تقوله نظرية التصميم الذكي، التي تحاول باستماتة شق طريقها في الأوساط العلمية، رغم استخدام الداروينيين لكل الوسائل لقمعها، بما في ذلك إبعاد كل من يبحث في هذه النظرية، أو يتكلم عنها في وسائل الإعلام الشهيرة!
كما يتهم الداروينيون هذه النظرية، بأنها مجرد ثوب جديد لنظرية الخلق المسيحية.. لكن الحقيقة أن هذه النظرية لا تتطرق من قريب أو بعيد إلى ماهية المصمم الذكي أو أين هو أو ماذا يريد منا، ولو تم تدريسها في المدارس، فلن تحتوي مناهجها على أي مقاطع من أي كتاب مقدس، بل ستحتوي على الرياضيات والاحتمالات التي تبحث في أدلة علم الأحياء!!
ومن الغريب أن ريتشارد داوكينز ـ أحد أكبر دعاة الإلحاد والتطور في العالم ـ يعترف في المقطع الأخير من الفيلم الوثائقي Expelled بأن التصميم الذكي قد يكون الإجابة عن أصل الحياة الذي لا يعرفه العلم المادي حتى اليوم، وأن علم الكيمياء الحيوية وعلم الأحياء الجزيئية قد يجدان توقيع ذلك المصمم في الخلايا الحية.. هذا اعتراف خطير من ملحد تطوري لم يعد يجد مخرجا من مأزق الداروينية، إلا أن يفترض أن هذا المصمم هو كائن من كوكب آخر!.. ورغم غرابة هذا الزعم، إلا أنني مستعد لتقبله كفرض علمي، أو حتى كخيال علمي.. ففي كل الأحوال، هو أذكى وأكثر منطقية وعقلانية من ادعاء أن الصدفة صنعت شفرة برمجية تتكون من 10 آلاف مرجع مكدسة على شريط DNA الذي لا يرى بالعين المجردة، لتصنع هذه الشفرة نظما متكاملة وأنماطا متكررة في الكائنات الحية، وعلاقات تبادلية في النظم البيئية تدخل في نطاق التعقيد غير القابل للاختزال.. إن افتراض أن الصدفة فعلت كل هذا، هو ضد كل ما نعرفه من قواعد العلم في جميع المجالات!
لكن يظل السؤال يلحّ: لماذا يحارب الغرب نظرية التصميم الذكي بمثل هذه الشراسة؟
لكي نفهم خلفيات الصراع المستميت بين الداروينيين وأنصار التصميم الذكي، يجب أن نعود بالتاريخ إلى الوراء، إلى أيام محاكم التفتيش في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، والتي لم تكن موجهة ضد المسلمين واليهود في الأندلس وَقَط، بل كانت موجهة أيضا ضد أتباع مارتن لوثر من البروتستانت في ألمانيا وباقي دول أوروبا، وكذلك ضد الموحدين المسيحيين.. والأسوأ من هذا أن حتى العلماء لم يسلموا منها، فكل من جاء بفكرة جديدة اتهمته الكنيسة بالهرطقة وحاكمته، مثل جاليليو وكوبرنيكوس.. وقد أدى هذا إلى ظهور العلمانية في أوروبا، واشتعلت الحرب بين الفريقين، واستخدمت فيها الطباعة التي ظهرت حينها، وكانت الكنيسة تعدم من تجد عنده ولو ورقة مطبوعة واحدة! (يمكنكم عيش هذه الأجواء الكابوسية في فيلم أحدب نوتردام لفيكتور هوجو).
وكان من نتائج هذا العنف الدموي، استخدام الثوار العلمانيين للعنف المضاد بعد نجاحهم في الوصول إلى الحكم في فرنسا، حيث سالت الدماء أنهارا على المقاصل، وكان شعار الثورة الفرنسية: اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس!
هذا التاريخ لا يمكن نسيانه بسهولة.. وبسببه هناك فوبيا (خوف مَرَضيّ) في الأوساط العلمية الغربية من أن الاعتراف بانهيار نظرية داروين، والتصديق على نظرية التصميم الذكي، سيعني بالضرورة عودة الكنيسة للسيطرة على الوسط العلمي والسياسي والاجتماعي في الغرب، لتعود العصور الوسطى ومحاكم التفتيش من جديد!
هذا يحيلنا مرة أخرى إلى اتهام نظرية التصميم الذكي بأنها نظرية دينية وليست علمية.. فرغم أن نظرية التصميم الذكي لا تتطرق إلى أي تفاصيل دينية، إلا أن هذا لم يرحمها من الاتهام بأنها نظرية دينية، وأن الكنيسة هي من يقف وراءها.. لكني أرى أن هذا من قبيل الحرب الدعائية والتشويه المتعمد.. فالحقيقة أن داروين نفسه بعد أن فشل في دراسة الطب (!!) درس اللاهوت، وهو مدفون حاليا في إحدى الكنائس!!
ومندل الذي وضع علم الوراثة كان راهبا!
وكثير من العلماء الذين أضافوا إلى الفيزياء والرياضيات كانوا متدينين مسيحيين أو يهودا، ومن قبلهم المسلمون الذين وضعوا كل أسس العلوم العصرية الحديثة!
لهذا، فمحاولة نسبة أي نظرية علمية إلى اعتقاد صاحبها أمر غير علمي أصلا.. كما أن الوصول إلى ماهية المصمم من خلال الفيزياء والرياضيات أمر غير وارد، فهذه مهمة الوحي والأديان.. فما هو الدين الذي يجب أن تتبناه النظرية؟.. هذا سيدخلها في جدل ديني ليس من اختصاص العلماء، لذا فهي تنأى عنه.. وهذا يترك لكل منا حرية الإيمان بالمصمم الذكي كما تخبره عقيدته.. بالنسبة لنا ـ نحن المسلمين ـ فنحن نؤمن بأن الله سبحانه هو بديع السماوات والأرض وخالق كل شيء، وهو المهندس الأعظم الذي أبدع كل هذه التصميمات الرائعة في الجماد والأحياء.. سبحانه وتعالى عما يشركون.. وهذا يعني أن اقتناعنا بمقدمات نظرية التصميم الذكي، لا يعني بالضرورة أننا نؤمن بنظرية الخلق المسيحية، فشتان بين هذا وذاك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.