أبدع حاسب وأبدع نظام تشغيل
3- تطبيقات برمجية ونظام تشغيل
إنّ خليّة واحدة من خلايا جسم الإنسان أعقد من كلّ الأجهزة التي اخترعها الإنسان في تاريخه كلّه.. ويشرح أستاذ البيولوجيا (مايكل دانتون) في كتابه "التطور: نظرية في أزمة" هذا التعقيد بمثال:
"كي نفهم حقيقة الحياة على النحو الذي كشفه علم البيولوجيا الجزيئية، يجب علينا أن نكبّر الخلية ألف مليون مرة حتى يبلغ قطرها 20 كيلومتراً وتشبه منطاداً عملاقاً، بحيث تستطيع أن تغطي مدينة مثل لندن أو نيويورك.. ما سنراه -عندئذ- هو جسمٌ يتسمُ بالتعقيد والقدرة على التكيف بشكل غير مسبوق.. وسنرى على سطح الخلية ملايين الفتحات مثل الفتحات الجانبية لسفينة فضاء ضخمة، تنفتح وتنغلق لتسمح لمجرى متواصل من المواد أن ينساب دخولاً وخروجاً.. وإذا تسنى لنا دخول إحدى هذه الفتحات سنجد أنفسنا في عالم من التكنولوجيا المتميزة والتعقيد المحيّر.. تعقيد يتعدّى طاقتنا الإبداعية نفسها.. وهذه حقيقة مضادة لفرضية الصدفة ذاتها، وتتفوق بكل ما في الكلمة من معنى على أي شيء أنتجه عقل الإنسان".
إن المعلومات الوراثيّة المخزّنة على شريط DNA هي أبدع نظام تشغيل Operating System في العالم، وهو يفوق بمليارات المرات أحدث نظم التشغيل التي أنتجها الإنسان لتتحكم في أحدث الحواسيب حتى يومنا هذا كالويندوز واللينوكس وغيرها.. هذا لأن هذا النظام لا يتحكم في حاسب واحد، بل في عدة منظومات هي أجهزة الجسم، التي تحتوي في مجموعها على 50 مليون مليون حاسب دقيق (خلايا الجسم)، موصلة معا بشبكة عصبية يشغّلها حوالي 86 مليار حاسب فائق هي خلايا الأعصاب، ويتحكم فيها خادم Server مركزي عملاق اسمه المخ، الذي يتكون وحده من حوالي 14 مليار حاسب فائق السرعة (الخلايا العصبية).. ويحتوي نظام التشغيل الإلهي DNA على كل البرامج اللازمة لتشغيل كل هذه المكونات المادية Hardware، بالإضافة إلى كل البيانات الأساسية والبرامج الوظيفية التي تعطي لكل نوع من الكائنات الحيّة سلوكه الخاص وسماته المميّزة وغرائزه الأساسية التي تدفعه إلى المحافظة على حياته.
وبجوار كلّ هذه الإمكانيات المذهلة لنظام التشغيل الإلهي، يتفرد هذا النظام بخاصية لا يوجد مثيل لها في أي نظام تشغيل كتبه البشر: فهذا النظام لا يتحكم فقط في سلوك الكائن الحيّ ووظائف أعضائه وأجهزته، بل إنه يبني جسد الكائن الحي نفسه منذ البداية من مكونات الأرض العادية!.. أيّ أنّ هذا النظام قادر على صناعة المكونات المادية Hardware ثم كتابة التطبيقات البرمجية Software التي تعمل على هذه المكونات المادية وتستفيد بقدراتها!
والآن، تخيّل أنّ كلّ هذا الإبداع المذهل مخزّن بالشفرة الكيميائية على شرائط DNA في نواة خلية واحدة فقط من خلايا جسمك، وأن هناك نسخة مكررة من هذا الكود موجودة في كل خلية من خلاياك!.. نصف مليون صفحة من الكود مخزّنة في نواة خلية واحدة فقط، ومكررة في 50 مليون مليون خلية تكوّن جسمك!
المذهل أن وزن المادة الوراثية في الخلية الواحدة ـ مهما كانت وظيفتها ـ لا يزيد عن 5 بيكو جرام، أي خمسة أجزاء من تريليون جزء من الجرام.. وهذا يعني أن مجموع أوزان النسخ المكررة للمادة الوراثية في جميع خلايا جسمك هو: 250 جراما فحسب من مجموع وزنك!.. فسبحان الله!
الطريف في الأمر، أننا لو أخذنا نسخة من المادة الوراثية من كلّ فرد من سكان الأرض (6 مليار نسمة)، لكان مجموع أوزانها 0.03 من الجرام!.. فهل يتعجّب أحد من قدرة الله سبحانه على إعادة بعث جميع البشر بكامل خصائصهم يوم القيامة؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.