أبدع حاسب وأبدع نظام تشغيل
5- مصانع عالية التقنية
تعال نفكر معا في الإعجاز الكامن في بذرة أحد النباتات.. البذرة هي مادّة ميتة لا حياة فيها، يمكن تخزينها لفترات طويلة.. لكن بمجرّد وضعها في التربة والماء، تدبّ الحياة فيها بإذن الله، لتبدأ في ترجمة الشفرات المكتوبة فيها لتنفيذ برنامجها المعقد.. ورويدا، تبدأ في أخذ الموادّ الخام (الماء والغذاء والهواء) لبناء مصنع جبار اسمه النبات.. هذا المصنع يُنتج منتجات رائعة (الزهور والثمار).. وبداخل منتجاته هذه توجد البذور، التي ستعيد إنتاج المصانع والمنتجات!
بجوار هذا، نكتشف أنّ مصانع النباتات ـ على عكس مصانع البشر ـ تحافظ على البيئة بإنتاج الأكسجين واستغلال ثاني أكسيد الكربون، وهي التي أنتجت جميع المواد الكربوهيراتية والدهون النباتية والبروتين والخشب وعلف الماشية وكل المنتجات النباتية التي استغلها الحيوان والإنسان والكائنات الحية الدقيقة.. بخلاف أنّ هذه المصانع هي أوّل وأهمّ مصانع تثبيت الطاقة الشمسية على الأرض، وبفضلها تكوّن البترول والفحم في الأرض.
تخيّل أنّ كلّ هذا المصنع التقنيّ كان في بذرة واحدة تحمل منها في قبضة يدك المئات، وأحيانا الآلاف؟!
بل وتخيّل هذه النتيجة المدهشة: بما أنّ حضارة الغرب الحديثة قامت على الآلات، التي تعمل بالفحم والبترول، والكهرباء (المولد معظمها بحرق الفحم والبترول)، فإنّ معنى هذا أنّ حضارة الغرب وكلّ ما يتفاخرون به من التقنية، حرّكته الشفرة الوراثية الموجودة في بذور النباتات!!
فسبحان من أبدع هذا التصميم الخارق.. وعجبا لغطرسة الغرب، الذي اتخذ العلم ذريعة للإلحاد ونفي وجود الله، مع أنّ حضارته كلها صنعتها بذرة!.. حقا، فما أجهلَهم وما أغفلهم:
(يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ {7} أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاء رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ {8}) الروم.
نفس هذا الأمر ينطبق على كلّ مولود جديد، حيث يتمّ بناؤه من البداية من اتحاد المعلومات الموجودة في حيوان منوي وبويضة، ليحصل على نفس بنية وسمات نوعه، ويمتلك القدرة على التكاثر وإعادة إنتاج الحياة.. ومن هذه الشفرة الوراثية تمّ بناء المخّ البشري، الذي اكتشف كلّ هذه العلوم وأبدع كلّ هذه التقنية!
ولعلنا نلاحظ ربط القرآن الكريم في كثير من آياته بين المطر وإحياء الأرض بعد موتها، وبين البعث وإعادة خلق البشر.. انظر مثلا لقوله سبحانه:
(فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {50}) الروم.
فالمحيّر فعلا، أن تعجّب الكفار أن يبعثوا مرّة أخرى بعد الموت، ولم يتعجّبوا من معجزة خروج شجرة للحياة من وسط بعض الأتربة الجرداء!.. الآن نكتشف أنّ التقنية واحدة فعلا: بذرة الشجرة لا تختلف كثيرا عن نطفة الإنسان، وما أسهل أن يعيد الله خلق الإنسان من خلية واحدة تحوي معلوماته الوراثية، مثلما يخرج الشجرة من بذرة في أرض ميتة.
***
إننا نصل دائما إلى نفس النتيجة: هناك نظم تشغيل بديعة لا مثيل لها مكتوبة في صورة شفرات برمجية فائقة الدقّة والكفاءة، هي المسئولة عن كلّ هذه الكائنات والمنتجات والآلات والحاسبات والعلوم والآداب والفنون!
فأيّ صدفة هذه التي يمكن أن تُوجد مثل هذا التصميم الدقيق، الذي يكفي أقلّ خطأ فيه لقتل الكائن أو تشويهه؟
وأيّ صدفة هذه التي صنعت المبدعين والعباقرة والعلماء بل وصنعت ما اكتشفوه من علوم حيوية وكيميائية؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.