يومًا مــا
يومًا ما سنلتقي، لتنبتَ أحلامٌ جديدة.
لنعودَ من جديدٍ زهرتين ناضرتين على غُصنٍ فَينان.
يتلامسُ خدّانا، ونهمسُ كلَّ حفيفٍ بأحلى الأغنيات.
نتحرّرُ مع تنهيدةٍ عطر شاردة، ونحلّقُ في الحُلمِ إلى ما لا نهاية.
تتلامسُ أيدينا، تتشابك، تتعانق.
نبسطُ جناحينا على الوجود.
نصبحُ أحلامًا لا انتهاءَ لها في قلوبِ كلِّ المحبّين.
*****
حتمًا، يومًا ما، سنلتقي.
لأعودَ من جديدٍ أقولُ لكِ كلَّ ما يُؤرّقُني.
تريحُني عيناكِ الرّيفيّتانِ الدافئتان.
تُنسيني نظرةٌ رقيقةٌ منكِ كلَّ أحزاني.
أتمنّى أن أكونَ نَسمةً رقيقةً رشيقة، تداعبُ ملامحَكِ الناعمةَ الحالمة، تتسلّلُ خلسةً إلى رئتيكِ، وتذوبُ في العطرِ الّذي يسري في شرايينِك، حتّى تصلَ إلى سويداءِ قلبِكِ وتعرفَ مكنونَك.
ما زال عندي أشعارٌ كثيرة، أبياتٌ لم أسردْها عليكِ، كتبتُها بعدَ أن افترقْنا.
لم أبْكِ فيها فِراقَك، لأنّكِ كُنْتِ دومًا معي.
فقطْ رحتُ ـ كما كُنْتُ دومًا ـ أغمسُ فرشاتي في جمالِك، وأرسمُ أحلامي.
أتذكّرُ حينما كُنْتُ أرتّلُ على سمعِكِ كلماتي الصغيرة.
كنتِ تبتسمينَ كماسةٍ وضيئةٍ تُشرقُ على غديرٍ رقراق.
كانت عيناكِ تَخْفُقانِ بتطلّعاتٍ حالمة، وتُرفرفانِ إلى بعيد.. إلى بعيد.. إلى قلبي الّذي تبخّرَ من صدري، ليضحيَ الأثيرَ لحسنِكِ الأثيرِ.
*****
حتمًا ستعودين.
ليسَ لأنّي لا أقوى على الحياةِ بدونِك.
ليسَ لأنّكِ أرقُّ من أن يكونَ عقابُكِ ذبحي.
ولكنْ لأنَّ شيئًا عظيمًا جميلا يحدثُ حينما نتلاقى.
همسةٌ دافئةٌ تسري في سمعِ الوجود، تُذيبُ الجليدَ من قلوبٍ كثيرة.
أنوارٌ تٌسافرُ منّا، وتمنحُ الليلَ معنى الأمل.
حينما نكونُ معًا، كلُّ القلوبِ ترانا، لأنَّ موسيقى صمتِنا، نبضِنا، شِعرِنا، تغمرُ الأحلامَ الغضّة، فتنْبتُ شجرةٌ وارفةٌ مضيئةُ الأوراق، تمدُّ جذورَها في عُمقِ كلٍّ مَن تشبّعتْ نفسُه برحيقِ الرومانسيّةِ والحنان.
حينما نتلاقى، يسيلُ من نظراتِنا نهرٌ فراتٌ قطراتُه ماساتٌ صغيرة، تضيءُ وحْدَها ولو لم يسقط عليها ضوء.
ومن نهرِنا تشربُ كلُّ العصافيرِ الجميلةِ وتروي وجدانَها، وعلى ضفافِه تَنْبُتُ أشجارٌ غنّاء، تنسجُ للعصافيرِ الفضّيّةِ أعشاشًا ذهبيّة، وتُثمرُ للمحبّينَ ظلالَ لقاء.
لا بدَّ أن نعودَ معًا، فلا صوابَ إلا أن نكونَ معا.
*****
حتمًا يومًا ما ستصفحينَ عنّي، وسنلتقي.
حينَها لن نضيّعَ دقيقةً واحدةً في العتاب، لأنَّ كلَّ نبضاتي ستكونُ أشعارَ اعتذارٍ لك.
فقط سآخذُكِ من راحتِكِ إلى حيث أيكتُنا، وأجلسُ صامتًا في محرابِ عينيكِ.
سأعوّضُ العمرَ الّذي مضى بعيدًا عنكِ في عينيكِ، فلحظةُ تأمّلٍ فيهما عمرٌ وإبحارٌ وأسفار.
سأعودُ سندبادَ عينيكِ من جديد، أحكي لكِ في أشعاري عن كلِّ المدنِ الجميلةِ الّتي زرتُها فيهما.
وسأحكي لكِ عن الحوريّةِ الرائعةِ الّتي تمنيت أن أقابلُها في كلِّ مدينة، والّتي تعرفُ جيّدًا أنَّ رحيلي عنها ليسَ ذنبي.
رحيلي عنها يقتطعُني منّي قبلَ أنْ يقتطعَها.
فقطِ الّذي يرحل، هو كِيانٌ من الدّخانِ في حقيبةٍ آدميّة، لن تصمدَ طويلا، فالنارُ الّتي صنعتِ الدُّخَانَ سِرعانَ ما ستُذيبُها.
*****
ستغفرينَ لي حتمًا رحيلي.
وسأراكِ تعودينَ إليّ، جميلةً كما أنتِ، باسمةً كما اعتدْتُك، جنّةً أُزلفَتْ لي، قُطوفُها دانيةٌ لقلبي، رحابُها حتّى مدى خيالي.
حتمًا ستعودينَ إليّ.
وسآخذُ براحتِكِ في راحتي، ونواصلُ رحلتَنا معا.
ولو فرّقَنا القدرُ من جديد، فلنْ نفترقَ إلا لنتلاقى.
إنَّ كلَّ الطرقِ تُؤدّي إلى حُبِّنا، حتّى لو طالتْ وطالَ السَّفر.
*****
حتمًا سوفَ نلتقي من جديد.
هذا فقط، هو ما يجعلُني أعيش.
*****
محمد حمدي غانم ـ 1997
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.