المتابعون للمدونة

الجمعة، 17 فبراير 2012

مذبحة بورسعيد.. دروس وعبر (3)

مذبحة بورسعيد.. دروس وعبر
 (3)
لقد حان الوقت لتجفيف منابع التعصب،
وإعادة كرة القدم إلى حجمها الطبيعي

انتظرت فترة كافية إلى أن تهدأ المشاعر نوعا ما، وإلى أن يظهر تقرير لجنة تقصي الحقائق، قبل أن أواصل هذا الموضوع.
بدايةً، نحن نؤمن بالمبدأ القرآني الأصيل (ولا تزر وازرة وزر أخرى)، وهذا معناه أن الجريمة التي ارتكبت في ملعب بورسعيد، يتحمل وزرها فقط من شاركوا فيها، سواء بالتحريض أو التنفيذ أو التآمر أو التواطؤ.. وهذا يعني أن من الظلم الفادح اتهام أهالي محافظة بورسعيد بارتكاب هذه الجريمة، أو حتى اتهام كل مشجعي النادي المصري، أو حتى اتهام كل من ذهب منهم إلى الملعب لمشاهدة المباراة، فهم لم ينزلوا جميعا إلى أرض الملعب، ولم يشتركوا جميعا في هذه المجزرة.
ولكن هذا أيضا لا ينفي أن للتعصب الكروي دورا كبيرا في هذه المذبحة، حتى مع وجود بلطجية مستأجرين من الفلول، وحتى في ظل التواطؤ الأمني أو التقصير الشديد من قوات الشرطة المسئولة عن تأمين المباراة.
وهذا التعصب لا يقتصر على جماهير ألتراس مصراوي فحسب، بل يتعداه إلى كل مشجعي الألتراس، وكل جماهير الكرة المصرية، ويظهر بشكل واضح في مشجعي بورسعيد (ومدن القناة عامة).
والشغب الذي يلي المباريات في مصر معروف ومتواتر منذ عقود، ومن أسوأ أمثلته الفتنة التي حدثت بين مصر والجزائر في تصفيات كأس العالم الماضي، بكل ما حدث فيها من مهازل واتهامات وإهانات واعتداءات متبادلة.
كما وصل الأمر بجماهير الألتراس في السنوات الخمس الأخيرة إلى تدمير صالات رياضية وملاعب، بل إنهم أشعلوا النار في أحد المشجعين وأحرقوه حيا!!.. لقد كانت الظاهرة تتفاقم أمام أعيننا، ولم يحاول أحد أن يفعل شيئا لكبح جماحها، إلى أن وصلت إلى هذه النهاية المأساوية!
لمثل هذا، ولكي لا تضيع أرواح ضحايا مذبحة بورسعيد هدرا، يجب أن تدفعنا هذه الكارثة إلى إطلاق حملة قومية لمواجهة التعصب والعنف وتجفيف منابعهما.. وأقترح في هذا الشأن:
1- إطلاق أسماء ضحايا مذبحة بورسعيد على المدارس الابتدائية والإعدادية والشوارع في محافظة بورسعيد، وإلزام كل مدرسة بإصدار ملحق يوزع مع الكتب الدراسية، به تعريف بصاحب الاسم ونبذة عنه وسبب موته.. هذا المقترح يهدف إلى إعادة تربية جيل جديد يكره التعصب ويعرف نتائجه الوخيمة.. مع ملاحظة أن هذا الاقتراح ليس عقابا جماعيا لبورسعيد، بقدر ما سيكون لفتة جميلة منهم لتكريم أرواح الضحايا، وإشعار أهاليهم بأن شعب بورسعيد حزين عليهم ولن يسامح من فعل هذا بهم.. وهذا سيساعد في تخفيف الاحتقان الموجود حاليا بين أهالي بورسعيد وباقي المحافظات.
2- تخصيص موضوع عن هذه المذبحة في المناهج الدراسية (للصف الرابع الابتدائي مثلا) على مستوى الجمهورية، به بعض صور الضحايا وبعض صور عن العنف الذي حدث، لدفع الأطفال في سن مبكرة إلى كراهية التعصب والعنف وإدراك نتائجهما الوخيمة.
3-    إقامة نصب تذكاري عليه أسماء الضحايا وصورهم في مدخل ملعب بورسعيد.
4- إخراج النادي المصري من الدوري العام لمدة خمس سنوات، إلى أن ينسى الناس هذه المذبحة ويزول الاحتقان أو يخف، فلن يكون ممكنا إقامة أي مباراة في بورسعيد في ظل هذه الظروف، ولن يأمن أحد حتى على ذهاب النادي المصري للعب في محافظة أخرى خشية حدوث محاولات انتقامية.. لهذا ليس هناك من حل إلا إخراج هذا النادي من المسابقة لعدة سنوات.
5- قيام محافظة بورسعيد بدعوة أهالي الضحايا في الذكرى السنوية للمأساة، لتكريمهم وتقديم عزاء أهل بورسعيد لهم، واستقبالهم في حشد شعبي كبير.
6- تنشئ محافظة بورسعيد صندوقا لمساعدة أسر القتلى والمصابين، على ألا يكون من أموال الدولة، بل يتم تمويله كالتالي:
‌أ.  بدلا من أن يسير أهل بورسعيد في مظاهرات في الشوارع للتنديد بما حدث، سيكون الأفيد أن يضع كل منهم في هذا الصندوق100 جنيه (أو أكثر لمن يقدر).. وأظن أن هذا مبلغ تافه بجوار الخسائر الاقتصادية الهائلة التي أصابت بورسعيد بعد هذه الكارثة.
‌ب. خصم نصف إجمالي الراتب الشهري لكل رجل أمن كان موجودا في المباراة (من أكبر رتبة إلى أصغر شرطي) لمدة عام، ووضعها في هذا الصندوق، عقابا لهم على تقصيرهم في أداء واجبهم، واكتفائهم بمشاهدة المذبحة!! (هذا غير المسئولية الجنائية الواقعة على قيادات الشرطة، التي تحقق فيها النيابة الآن)
‌ج. فرض غرامات مالية كبيرة على القائمين على ملعب بورسعيد والنادي المصري ولاعبيه، وقيادات ألتراس مصراوي والمعروفين من أعضائه، حتى من لم يثبت تورطه منهم في الحادث يقينا.. فكل هؤلاء يحمل على الأقل مسئولية معنوية تجاه ما حدث، سواء بالتحريض أو التقصير، أو المساهمة في الفوضى التي حدثت أثناء المباراة، أو المشاركة في شحن النفوس وتهييج الجماهير.
‌د.  فرض غرامات مالية كبيرة على جميع القنوات الفضائية الرياضية المتخصصة ومذيعيها، وعلى البرامج الرياضية في القنوات غير المتخصصة ومذيعيها، فقد شاركوا في بث روح العداء والعنف والتعصب في الشعب المصري.
7- محاكمة وتجريم وتغريم كل من كتب كلمات وشعارات وأغاني على الإنترنت والفيسبوك، تدعو إلى العنف أو القتل أو الموت في سبيل النادي، من جماهير الأهلي والمصري وباقي الأندية، حتى لو على سبيل المزاح.. فهذا مما يجرمه القانون، وقد رأينا نتائجه.
8- يجب تقنين وضع القنوات الرياضية المتخصصة، وفرض سياسة إعلامية جديدة عليها، تلزمها بألا تزيد مدة المواد الرياضية فيها عن نصف ساعات البث، وأن تتخلل هذه المواد برامج أخرى متنوعة، دينية وثقافية وعلمية وإنسانية وتاريخية ووطنية وطبية (تختص باللياقة والصحة العامة)، مع مراعاة أن توجّه هذه المواد مشاهديها إلى النفور من التعصب، ووضع كرة القدم ـ والرياضة عموما ـ في حجمها الطبيعي.. وبهذا تتحول هذه القنوات إلى قنوات مفيدة، بدلا من الثرثرة طيلة اليوم في تفاهات لا تعود بالنفع على أي مخلوق، بل تؤدي في النهاية إلى أن يقتل الناس بعضهم البعض من أجل قطعة جلد مملوءة بالهواء!!
9- يجب إعادة تأهيل روابط المشجعين (الألتراس) ووضعها تحت إشراف الأندية ببطاقات عضوية رسمية، على أن تتم دعوة أعضائها إلى محاضرات يلقيها دعاة وخبراء نفسيون لإعادة توجيههم روحيا ونفسيا.. ويجب أن توضع برامج لهذه الروابط، تجعلها تشارك في فرق الجوالة والرحلات والمسابقات والأنشطة المجتمعية الخدمية التطوعية، لتفريغ طاقة هؤلاء الشباب في الاتجاه الصحيح، ويتم استغلال حبهم للكرة ولفريقهم في تعليمهم أشياء مفيدة وإشراكهم في خدمة المجتمع.
10-      يجب إعادة لعبة كرة القدم كلها إلى حجمها الطبيعي، وذلك بدفع الناس إلى ممارسة الرياضة بدلا من الجلوس لمشاهدتها فهذا هو الأصل، وفتح الملاعب للأطفال والشباب للعب وعدم قصرها على الفرق الرياضية، وتقليل سعة المدرجات أو إزالتها كليا لتوفير مساحات جديدة للعب فهذا أفيد، مع الاكتفاء بعرض المباريات في التلفاز، وفرض ضريبة تصاعدية على مكاسب الملاعب والأندية وإداراتها ولاعبيها تبدأ من 50% وتصل إلى 90%، حتى يتم تقليص المبالغ الهائلة التي يحصل عليها هؤلاء التافهون الذين لا يفعلون شيئا إلا اللعب، بينما باقي الشعب من عمال وعلماء يتسولون!!.. على أن يتم توجيه هذه الأموال إلى وزارة الصحة لعلاج المرضى والفقراء، وإلى إنشاء المصانع لتوفير فرص العمل للعاطلين.. وبهذا سيضيع الحافز الذي يجعل معظم التافهين يلهثون وراء هذه اللعبة، وتصبح مجرد تسلية تُؤدى في وقت الفراغ، بدلا من كونها تجارة مربحة أكثر من تجارة المخدرات، تُقتطع من قوت الناس دون أن تفيدهم بشيء!.. ولا تنسوا أننا نعيش في دولة متخلفة منهارة تحتاج للعلم والعمل لإعادة بنائها، وليس للعب واللهو وقتل بعضنا من أجل مجموعة من التافهين يجرون خلف كرة!!
أرجو ممن يعنيه الأمر أن ينظر لهذه المقترحات بجدية.. فإن لم تكن هذه الكارثة هي نقطة البداية لتصيح كل هذه الأوضاع الخاطئة الآن، فمتى إذن؟

محمد حمدي غانم
16/2/2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

صفحة الشاعر