مصر تتحول إلى مستشفى مجانين كبير !!
كتبت هذا الكلام قبل الثورة بنصف عام.. هل ترى أن شيئا تغير بعد الثورة بعام؟
مناسبة هذا المقال: المحاميان اللذان ضربا وكيل النيابة، وأمر القضاء بحبسهما 5 سنوات، مما دفع المحامين إلى الإضراب.. وأعيد نشره الآن في ضوء الفوضى والعنف والبلطجة وقطع الطرق، والفتن الطائفية والنزاعات القبلية والمجازر الكروية، وحروب الشوارع بين الشباب والشرطة والجيش، التي عمت مصر طوال العام الماضي:
كلّنا الآن يحركه العنف والغضب والهمجية..
والمؤسف أنه لم تعد هناك قيمة لأي منصب في مصر..
يحكي لنا أهلنا عن المدرس الذي كان إذا مشى في الشارع فر منه جميع الأولاد.. ليس كرها، بل توقيرا.. اليوم يُضرب المدرس في الفصل، أو يضرب تلاميذه إلى الموت!!
والأطباء كانوا على قمة السلم الاجتماعي.. واليوم يسبون ويضربون في المستشفيات!!
والأزهري كان وجيها يفصل في النزاعات ويسمع الناس لرأيه.. اليوم خريج الأزهر لا يفقه شيئا في الدين ويتندر الناس على خطبه العرجاء!
حتى شيخ الأزهر السابق أضاع هيبة المنصب بفتاواه العجيبة التي لا يقبلها عاقل بعد أن بلغ من العمر عتيا!!
واليوم، نرى المحامين يضربون وكلاء النيابة والعكس!!
حتى الساسة ورأس السلطة في مصر، لا ينجون من السباب والإهانة في المظاهرات، ولولا ما حولهم من أمن لما سلموا من الغوغاء!!
والسؤال هو: أين الآن الشخص أو المنصب المحترم في مصر؟
وإذا كان هذا حال مصر من الداخل، فكيف تتوقعون أن يحترمنا أحد في الخارج؟
طبيعي أن يُعتقل المصري في ليبيا، ويُجلد في السعودية، ويُضرب في السودان، ويُسحل في لبنان، ويُقتل في نيجيريا... إلخ!.. فلا كرامة في مصر لأحد، لتكون له كرامة خارجها!
إذن، ما الذي أوصلنا إلى هذا الحضيض؟
هناك أسباب كثيرة، منها:
- البطش والظلم وتطبيق القانون على الضعفاء وتعطيل تطبيقه على ذوي النفوذ، مع شيوع الواسطة والمحسوبية، وكل هذا أفقد الناس ثقتهم واحترامهم للدولة ومؤسساتها.
- نظام التعليم الذي هبط بكفاءة جميع القطاعات وخنق المجتمع اقتصاديا.. إضافة إلى ضياع قيمة الشهادات مع كثرة حامليها، وتحولهم إلى عاطلين يعملون في غير تخصصاتهم، موغرة صدورهم بالحقد على المجتمع ورموزه.
- ضياع التربية ومحاربة الدين في الإعلام والتعليم والثقافة، مما حول شعب مصر إلى بلطجية، يعجز القانون عن ردعهم.. فالدين والأخلاق يمثلان الوازع الداخلي الذي يقي من الجريمة، بينما القانون يمثل الرادع الذي يعاقب الجريمة.. وكلاهما مطلوب وهما جناحا الأمن، ولا يتحقق بدون أحدهما.. وكان من نتائج غياب الدين والأخلاق والتربية عن مصر، شيوع الفساد والسرقة والرشوة والعنف والجريمة وسوء استخدام النفوذ والاستعلاء على الناس وظلمهم.. وهو ما أوصلنا إلى ما نحن فيه.. والمحاكم اليوم متخمة بملايين القضايا التي عجزت عن نظرها، فلا يعقل أن نطلب من القضاء تربية شعب مصر وحده، بعد أن تحول الإعلام والتعليم والثقافة إلى وقود للجريمة والفساد بسبب سيطرة العلمانيين عليها، إلى جانب إضعاف دور الأزهر والمسجد.
إذا نظرنا إلى تلك الأسباب، فسنستطيع فهم ما حدث بين المحامي ووكيل النيابة.. فكلاهما مطحون ويشعر بالضغط الواقع عليه، وأنه لا يتلقى عائدا يتفق مع الجهد الذي يبذله.. فوكيل النيابة مطالب بالتوقيع على آلاف التصريحات يوميا، والمحامي مضطر للانتظار أمام النيابات لساعات يوميا، لأن شعب مصر كله صار لاجئا أمام أبواب المحاكم، لأن باقي مؤسسات المجتمع لا تقوم بعملها أصلا!
إن مصر تختنق سياسيا واقتصاديا وتعليميا وأخلاقيا ومروريا و... و... والعنف صار أول رد فعل يلجأ إليه كل مصري لحل مشاكله، فالعقل والمنطق والعلم والقانون والأدب والحِلم صارت لا تحل مشكلة ولا يحترمها أحد، والبلطجة وقلة الأدب والصراخ والواسطة والرشوة هي أسرع الطرق للوصول إلى الهدف!
أناشد المحامين والقضاة بترك صراعهما الحالي، وتوجيه طاقتهما معا لمحاكمة المجرمين الذين ينشرون الفاحشة في الأدب والفن ووسائل الإعلام ووزارة الثقافة ومناهج التعليم والقوانين التي تحمي الرذيلة.. فهذا هو منبع كل ما نعانيه في مصر من فساد.
محمد حمدي غانم
13/6/2010
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.