المتابعون للمدونة

الأربعاء، 23 أغسطس 2017

نقد قصة رجل وامرأتان


جمالية التشظي والمرآة والبوح الحكيم وأزمة الطيبين
في قصة (رجل وامرأتان)
بقلم: خالد جودة
 

النص: رجل وامرأتان! بقلم: م. محمد حمدي غانم.
التعليق: جمالية التشظي والمرآة والبوح الحكيم وأزمة الطيبين في قصة (رجل وامرأتان) بقلم: خالد جودة. 

عندما علق العقاد منتقدًا الرواية قائلًا أن البيت الشعري قد يرجحها ويعبر عن مضمونها، فقال (قنطار خرنوب او خروب ودرهم حلاوة)، فرد عليه القاص الشاب (نجيب محفوظ) في مجلة الرسالة وقال له (القصة شعر الدنيا الحديثة)، وإذا تم إدارة الجدل حول هذه القضية حول مقولة القنطار والدرهم في دنيا الرواية عبر العهود والآراء، فإن مقولة (القنطار والدرهم) تصدق تماماً في عالم الكتابة علي الإنترنت، فكثيرة جداً هي الكتابات عبر رحابه وقليلة جدا قدرة الإجادة، ومن هذا الدرهم الغالي كتابات الأديب د. محمد حمدي غانم، الذي يعد بحق فارساً لثقافتين بين عالم البرمجيات وعالم الأدب، ومن يعثر علي مدونته الشخصية نصف المليونية يجدها كنزاً فريداً في العلم والفن.
ونلتقط تدوينة أخيرة بالمدونة عبارة عن قصة قصيرة بارعة تعتمد طيفين من أسلوب وقيم القصة القصيرة المعاصرة:
 
القيمة الفنية الأولى:
أنها قصة نفسية قائمة علي رؤية فلسفية عن السلوك الإنساني وأنواعه وأثره في قطبي القصة، أو بثيمة القصة أقطاب القصة الثلاثة.. يقول الراوي العليم في القصة موضحاً الشخوص لها وأنواع السلوك وأثر ذلك علي تلك الشخوص في عبارة نافذة شارحة (تلك الفتاة الجميلة التي أحبت الدنيا بسلامة نية، ثم اكتشفت أنه لا مكان فيها للطيبين. / لكنه آخر الطيبين، وهو يجاهد لكي لا يفقد مكانه الصغير في قلبها الحانق على الحياة!)
تلك المرآوية النافذة في القصة، فالفتاة تتشظي علي ذاتها: ذات طيبة تسحقها الحياة البائسة فتقرر صوغ ذات أخري، وانعكاس ذلك في مرآة المحب للقيمة يقول: (أحبت فيه براءتها.. / لكنها كرهت فيه سذاجتها!)، وعصب القصة وقواها الناعمة كامن في تلك الفارقة أو المقاصلة بين الطيبة والسذاجة، بين حسن الفعال ولقياها بالجحود يقول: (فقد سبَّـبَتْ لي الكثير من الآلام.. كانت تحب كل الناس، فطعنها كل الناس.)، والمفارقة في السياق التاريخي السابق للسرد من خلال التحول الجذري في الشخصية فتشظت علي ذاتها من الحمائم إلي الصقور تقول (صرتِ من الجوارح.. من أولئك الذين سيُقنعون براعم بريئة جديدة أنها ساذجة مخدوعة لأنها تحب الحياة وتمنحها زهورها وعطورها وثمارها.. تقنعها أنها بدلا من هذا الضعف يجب أن تقمع زهورها وتتحصن بأشواكها.. تقنعها أنها يجب أن تجرح قبل أن تُجرح.. يجب أن تأخذ بدون مقابل.)، ويكشف هذا التحول في موضع آخر من الحوار يقول:
(بل واحدة بُنيت على أنقاض أخرى)،  وفي إطار المفارقات أتت الأقوال محبة الحكمة أو الخلاصات من العبارات التأملية الجيدة في العلاقات الإنسانية، ومنها (أنثى لا تعرف الحب: لا أنثى. / لا أحد مستقل في الحياة.. نحن عالقون دائما في شبكة من العلاقات، نحتاج للبعض ويحتاجنا البعض.. وكل علاقة تفرض التزامها وتحد من حريتنا.. كل خيط في الشبكة يشدنا في اتجاه.. لكنه يمنحنا الإحساس بالانتماء والغاية من الوجود.. إنه مزيج بسيط ومعقد من الاحتياج والاكتفاء في نفس الوقت.. والمتمردون هم من يمزقون هذه الشبكة ظنا منهم أنهم يتحررون منها، فيسقطون دونها في فراغ الوحدة والانعزال.)
وفي إطار قيمة الانتماء والوحدة نبعت أزمة القصة وحبكتها، والنهاية المفتوحة في تعقيب الراوي العليم بعد الحوار الذي استغرق القصة حيث كان مغزي القصة في وجوب الكفاح والتأكيد علي روعة الحب الباني للحياة الجابر للتناقضات فيها، فسماء القلوب عواصم من الانكسار. 

أما القيمة الفنية الأخرى للقصة القصيرة:
بالإضافة إلي ما سبق فهو أنها قصة حوارية اعتمدت الحوار وسيلة أساسية لكشف تنامي الدراما في الحدث وتعقيده، ما يجعل انتماء القصة هنا أكثر لجماليات البوح الحكيم.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

صفحة الشاعر