مذبحة بورسعيد.. دروس وعبر
(4)
ليست كل جماهير بورسعيد بريئة،
حتى لو كانت المؤامرة دنيئة!
أنا أشاهد عنف المشجعين وتعصبهم منذ وعيت على الدنيا.. لكن الملاحظ أن نسبة العنف زادت في هذا الجيل، ومن المؤكد أن لهذا علاقة بالانفتاح الإعلامي وأفلام العنف والقتل التي يشاهدها الأطفال والشباب يوميا، إضافة إلى قبح الحياة التي نحياها في ضغط مجتمع الزحام.
هناك مقالات كثيرة قبل الثورة كانت ترصد مظاهر هذا العنف في مجالات كثيرة إضافة إلى كرة القدم، وكلنا يذكر حادثة المدرس الذي قتل تلميذه ضربا، وحوادث التلاميذ الذين يضربون مدرسيهم، وحادثة المحاميين اللذين ضربا وكيل النيابة وأدت إلى صراع بين المحامين والقضاة، وغيرها من أحداث العنف ، التي وصلت إلى درجة الجرائم البشعة التي لا نجد لها حتى أي مبرر، كجرائم اختطاف وقتل الأطفال، وجريمة سائق المقاولين العرب الذي فتح النار على ركاب الأتوبيس، وبرر ذلك بأنهم كانوا يسخرون منه!!.. وغيرها وغيرها...
لقد سمم مبارك كل شيء في مصر وحولها إلى مستشفى مجانين كبير، ونحن جميعا في حاجة إلى علاج نفسي وروحي!!
فلعل كل هذا يوضح لكم بعض أسباب العنف الذي يندلع في الشوارع بين الشرطة والجيش وبين الشباب كل حين، فنرى الحرق والتدمير والقتل.. وحتى الثورة التي نقول عنها سلمية، تم فيها إحراق 2000 سيارة و 150 قسم شرطة (وهناك إحصائيات تذكر أرقاما أكبر من هذا).
من المؤكد أن هناك خللا في هذا الجيل ويجب أن نعالجه، بدلا من أن ندفن رؤوسنا في رمال المؤامرة واللهو الخفي. وقد عرضت الفضائيات لقطات فيها شباب من مشجعي النادي المصري يمسكون قمصان الأهلي بعد المجزرة.. شباب صغيرو السن نحيفو الجسد لا يمكن أن يكونوا أبدا بلطجية مستأجرين.. وشهادات الكثيرين من ألتراس الأهلي تؤكد أن من هاجمهم كانوا شبابا من ألتراس مصراوي، بل إن أحد قيادات ألتراس مصراوي المطلوبين للتحقيق أقر في اتصال هاتفي ببرنامج الحقيقة مع وائل الإبراشي، بأن بعض أعضاء الألتراس اشتركوا في هذه الجريمة، حتى لو من باب نزع قمصان مشجعي الأهلي على سبيل التباهي.. ولا تنسوا أن معظم من ماتوا قتلهم الرعب، الذي جعلهم يتدافعون ويختنقون ويدهس بعضهم بعضا.
إن دفن الرأس في الرمل لن يحل أي مشكلة، وعلى أهالي بورسعيد أن يواجهوا الحقيقة ويعيدوا تربية أبناءهم على كراهية التعصب والعنف، فالتنصل من المسئولية، يعني أن هذه المجزرة ستتكرر مرات أخرى ومرات!
دعوني هنا أكرر مقترحاتي لما يجب أن يقوم به أهالي بورسعيد:
1- إطلاق أسماء ضحايا مذبحة بورسعيد على المدارس الابتدائية والإعدادية والشوارع في محافظة بورسعيد، وإلزام كل مدرسة بإصدار كتيب صغير يوزع مع الكتب الدراسية، به تعريف بصاحب الاسم ونبذة عنه وسبب موته.. هذا المقترح يهدف إلى إعادة تربية جيل جديد يكره التعصب ويعرف نتائجه الوخيمة.. مع ملاحظة أن هذا الاقتراح ليس عقابا جماعيا لبورسعيد، بقدر ما سيكون لفتة جميلة منهم لتكريم أرواح الضحايا، وإشعار أهاليهم بأن شعب بورسعيد حزين عليهم ولن يسامح من فعل هذا بهم.. وهذا سيساعد في تخفيف الاحتقان الموجود حاليا بين أهالي بورسعيد وباقي المحافظات.
2- إقامة نصب تذكاري عليه أسماء الضحايا وصورهم في مدخل ملعب بورسعيد.
3- إخراج النادي المصري من الدوري العام لمدة خمس سنوات، إلى أن ينسى الناس هذه المذبحة ويزول الاحتقان أو يخف، فلن يكون ممكنا إقامة أي مباراة في بورسعيد في ظل هذه الظروف، ولن يأمن أحد حتى على ذهاب النادي المصري للعب في محافظة أخرى خشية حدوث محاولات انتقامية.. لهذا ليس هناك من حل إلا إخراج هذا النادي من المسابقة لعدة سنوات.
4- قيام محافظة بورسعيد بدعوة أهالي الضحايا في الذكرى السنوية للمأساة، لتكريمهم وتقديم عزاء أهل بورسعيد لهم، واستقبالهم في حشد شعبي كبير.
5- تنشئ محافظة بورسعيد صندوقا لمساعدة أسر القتلى والمصابين، على ألا يكون من أموال الدولة، بل يتم تمويله كالتالي:
أ. بدلا من أن يسير أهل بورسعيد في مظاهرات في الشوارع للتنديد بما حدث، سيكون الأفيد أن يضع كل منهم في هذا الصندوق100 جنيه (أو أكثر لمن يقدر).. وأظن أن هذا مبلغ تافه بجوار الخسائر الاقتصادية الهائلة التي أصابت بورسعيد بعد هذه الكارثة.
ب. خصم نصف إجمالي الراتب الشهري لكل رجل أمن كان موجودا في المباراة (من أكبر رتبة إلى أصغر شرطي) لمدة عام، ووضعها في هذا الصندوق، عقابا لهم على تقصيرهم في أداء واجبهم، واكتفائهم بمشاهدة المذبحة!! (هذا غير المسئولية الجنائية الواقعة على قيادات الشرطة، التي تحقق فيها النيابة الآن)
ج. فرض غرامات مالية كبيرة على القائمين على ملعب بورسعيد والنادي المصري ولاعبيه، وقيادات ألتراس مصراوي والمعروفين من أعضائه، حتى من لم يثبت تورطه منهم في الحادث يقينا.. فكل هؤلاء يحمل على الأقل مسئولية معنوية تجاه ما حدث، سواء بالتحريض أو التقصير، أو المساهمة في الفوضى التي حدثت أثناء المباراة، أو المشاركة في شحن النفوس وتهييج الجماهير.
د. فرض غرامات مالية كبيرة على جميع القنوات الفضائية الرياضية المتخصصة ومذيعيها، وعلى البرامج الرياضية في القنوات غير المتخصصة ومذيعيها، فقد شاركوا في بث روح العداء والعنف والتعصب في الشعب المصري.