عشرون عاما من الكتابة
(2/5)
عشرون عاما مضت منذ أمسكت القلم..
بدأتْ كل هذه الرحلة وعمري 14 عاما صيف عام 1991، وأنا في بيت جدي رحمه الله، في لحظة فراغ دفعتني إلى أن أفكر في فعل شيء مختلف لتمضية الوقت.
في تلك الفترة، كان الصديق والجار العزيز د. أيمن سامي فاجأنا بكتابة قصة مغامرات اسمها "التوأمان"، وأذكر أنه كتبها على ورق قصّه ليكون مثلث الشكل في سابقة غريبة من نوعها.
كنت أنا وأيمن نتشارك في شراء روايات د. نبيل فاروق ونتبادلها ونناقشها بعد قراءتها، كما اشترينا لعبة الشطرنج، وأمضينا أجمل أوقاتنا نلعبها في الإجازات الصيفية حتى فرقتنا الجامعة.
لقد تشاركت أنا وأيمن الأفكار والأسرار والقراءة والكتابة، مما حول مرحلة المراهقة لدينا إلى مرحلة إيجابية بناءة مليئة بالمتعة العقلية والإبداعية.
وبسبب قصة "التوأمان" مثلثة الشكل، التي رأيت أصدقاء طفولتنا يستمعون له في انبهار وهو يحكيها لهم، قررّت أن أقهر لحظة الملل التي انتابتني بأن أجرب أنا الآخر كتابة قصة خاصة بي.
لهذا أحضرت ورقة وقلما، وكتبت جملة ساذجة، ما زلت أذكرها حتى اليوم:
"من مركب صيد صغير يلقي شباكه في الماء، أطلق أشرف هذه العبارة:"
كتبت هذه الجملة، ثم قررت أن أكتب رواية كاملة لأضعها فيها J.. واضح طبعا أنني أحتاج إلى: مركب صيد وأشرف وعبارة ما.. وطبعا كانت العبارة أهم ما في الموضوع، لهذا كتبت:
- إنهم من أقوى العصابات في تهريب المخدرات!
وهكذا اتضح لي أنني أحتاج أيضا إلى عصابة مخدرات!.. كانت الأمور تسير بشكل رائع حتى تلك اللحظة!
من المذهل الآن أن أتخيل أن آلاف الأعمال التي كتبتها (آلاف فعلا بلا مبالغة) نمت من هذه العبارات الساذجة!.. ولكني تعلمت بعد ذلك أن "الفكرة ولاّدة".. كل ما عليك أن تبدأ، وستجد الأمور تسير بك بطريقة لا يمكنك تخيلها.
وهكذا مضى الأمر.. جملة من هنا على فكرة من هناك، ووجدت بين يديّ رواية بوليسيّة قصيرة ساذجة مليئة بالاقتباسات والمفارقات غير المنطقيّة، بطريقة لا تصدق!
ولم أكتفِ بهذا، بل جعلت هذه القصة عددا من سلسلة مغامرات كاملة، أسميتها "أبطال المستحيل" تقليدا لروايات "رجل المستحيل".
كانت القصة ساذجة جدا، ولكن زملاء الصبا استقبلوها بحفاوة بالغة، فكتبت رواية ثانية وثالثة.
وهذا دفعني إلى الاتجاه نحو القراءة بطريقة أخرى.. بطريقة من يريد أن يكتب أفضل.. وكان مهرجان القراءة للجميع قد بدأ، فاستغللته في الإجازات الصيفية للقراءة في علوم الفضاء والكتب العلمية المبسطة، وقراءة بعض الأعمال الأدبية لمن يسمونهم الكتاب الكبار، والذين أصابني معظمهم بالاشمئزاز ليس إلا، بسبب سخافة أفكارهم وتمحورها حول غرائزهم وسفاهاتهم!
في العام التالي كتبت قصة أفضل.. لم يكن فيها تلك الشطحات غير المنطقية والاقتباسات الساذجة.. هذه القصة أسميتها "لعنة الفراعنة"، وتدور حول مغامرة صبيين في ممر أسفل الهرم الأكبر يتعرضان فيه لفخاخ قاتلة ومواقف مخيفة.
وكتبت في ذلك العام أيضا أول مجموعة قصصية لي أسميتها "لهيب الانتقام"، وكانت مواضيعها اجتماعية وعاطفية الطابع.
وفي العام الذي تلاه بدأت في إجازة الصف الأول الثانوي مرحلة الكتابة بغزارة.. فكتبت بفضل الله حوالي 9 روايات في صيف واحد، منها 5 روايات من سلسلة الخيال العلمي "رفاق الخطر".
وقد شدني كل هذا بعيدا عن التلفاز وعن الكثير من تفاهات المراهقة، لأنمّي قراءاتي رويدا.
وبعد ذلك بعام (في صيف 1993) بدأت أحاول كتابة الشعر..
كانت أول قصيدة كتبتها، في نهاية العام الدراسي للصف الأول الثانوي.. فسبب حبي لشعر عنترة، وجدت نفسي أكتب شيئا أشبه بقصائده.. والغريب أن الكلام جاء موزونا مع أن كتاباتي التالية ظلت مكسورة لفترة طويلة.. وأذكر أن تلك القصيدة كانت عن فارس وبحار في نفس الوقت، فيحكي لنا عن بطولاته في كلا العالمين.. والشطرة الوحيدة التي أذكرها من هذه القصيدة كنت أقول فيها:
وحلوى حياتي هياج البحارْ
والسبب الذي جعل هذه القصيدة تضيع، هو أني كتبتها داخل أحد الكتب المدرسية، التي أتخلص منها بسعادة بالغة بعد نهاية العام الدراسي J.. وطبعا لم أتخيل أني سأسلك درب الشعر حينها، لهذا لم أعتن بالاحتفاظ بتلك القصيدة!
ولم أحاول كتابة الشعر بعد ذلك إلا في خريف نفس العام، في آخر يوم من أيام الإجازة الصيفية.. وكان ذلك بسبب تأثري بقراءة المجموعة الكاملة للشاعر فاروق جويدة.
كنت استعرتها من مكتبة المدرسة دون أن أعرف أن فيها شعرا، لأني لم أكن سمعت من قبل عن شعر التفعيلة.. لكني حينما قرأتها وجدت فيها كلاما جميلا فواصلت القراءة.. وأظن أنني لو كنت عرفت من البداية أن هذا كتاب شعر ما كنت استعرته!
وكنت أهرب إلى الشعر والخواطر أثناء الدراسة عوضا عن كتابة الروايات بسبب عدم توفر الوقت الكافي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.