ثورة ذوي الاحتجاجات الخاصة!
حاليا، أنا ضد الهجوم على أصحاب المطالب الخاصة، واتهامهم بوجود تنظيم فوضوي أو ثورة مضادة يقف وراء هذه الاحتجاجات الفئوية.. فهذه الثورة أصلا ثورة أصحاب الاحتجاجات الفئوية وليست ثورة الشباب.. هل نسينا سريعا أن الاحتجاجات الفئوية مشتعلة في مصر منذ عشر سنوات، تجاوز فيها عدد الإضرابات والمظاهرات الرقم 10 آلاف، فهي وقود الثورة الذي كان أكثر التهابا وتأثيرا، خاصة في صورتيها الأكثر حدة: إضراب عمال غزل المحلة، واعتصام رصيف مجلس الشعب.. وكل هذا هو ما جعل الناس تنزل إلى الشوارع في النهاية بعد حدوث ثورة تونس.. أما باقي الحركات السياسية، فلم تستطع حشد الناس وراءها لأهداف عامة، وكانت وقفاتهم بالعشرات وفي أحسن الفروض بالمئات أمام نقابة الصحفيين ودار القضاء ونقابة المحامين وغيرها.
ولا تنسوا أيضا أن حركة 6 إبريل ركبت موجة إضراب عمال المحلة، وأنها كحركة سياسية لم تستطع حشد الناس وراءها في أي قضية، ولا حتى قضية مقتل خالد سعيد التي فشلت أكثر من مظاهرة ووقفة احتجاجية نظمت بسببها، ولولا ثورة تونس لما اختلف شيء إلى الآن.
كما أني أقول دائما إنه لولا الإضراب العام الذي اشتعل فجأة في كل ربوع مصر وكل مؤسساتها يومي 9 و 10 فبراير، لما أطاح الجيش بمبارك، ولظل المتظاهرون في الميدان إلى يومنا هذا كما يحدث في اليمن، ولكان أحمد شفيق يوزع عليهم البونبون كما قال ساخرا أثناء الثورة!
لينتبه الجميع أن الهجوم على أصحاب المطالب الفئوية الآن هو الذي سيقتل الثورة، وسيعطي لبقايا النظام الفرصة للقضاء على السياسيين وإطلاق كلاب الأمن على كل المعارضين.. وتذكروا أن كل تحرك شبابي نزل الشارع ضربه الجيش بمنتهى الثقة ولم يخشَ شيئا، كما حدث في مسرح البالون وميدان التحرير والعباسية وأمام السفارة وأمام ماسبيرو.
إن الاحتجاجات الفئوية هي آخر ما يحمي هذه الثورة، وهي التي تضغط على نقاط ضعف الحكومة والجيش الحساسة، فهم يملكون القوة، لكنهم لا يملكون إصلاح تركة مبارك المهلهلة والخراب الاقتصادي الذي تركه خلفه، ومع استمرار الضغط سيجبرون في النهاية على بيع الأمل للشعب المصري، وضخ دماء جديدة في نظام الحكم وإطلاق مبادرات اقتصادية واجتماعية لإصلاح الأوضاع.
أما الانفلات الأمني المصاحب لكل هذه الأحداث، فهو ضريبة متوقعة نتيجة قيام الثورة ضد طغيان وجبروت الشرطة، وإلا فكيف يمكن إعادة ترتيب الوضع السياسي في وجودها بكامل قوتها وتدخلها القمعي في كل شيء؟
لكلب هذا أقول: لو توقفت هذه الاحتجاجات الفئوية الآن، فستتتفرغ الشرطة والجيش والمخابرات لتصفية معارضيها.. هذه الاحتجاجات أكبر وأكثر انتشارا من أن تستطيع القوى الأمنية مواجهتها، لا بالقوة، ولا حتى بتلبية المطالب (لأن الدولة مجرّفة ومخوخة).
هذه الاحتجاجات أشبه بأجهزة إنذار تشعر المسئولين بمدى الخراب والظلم الذي أحدثوه في مصر، وتجبرهم على البحث عن حلول، وضخ دماء جديدة في الحكومة والمناصب العامة.. وفي النهاية سيكتشفون أن أمامهم حلا واحدا: هو إلهاء الناس بانتخابات نزيهة ورئيس من اختيارهم، وخطط خمسية وخمسينية تخدع الناس بالأمل في الغد، وتصبرهم على واقعهم.
كما أن هذه الاحتجاجات هي التطور الطبيعي في اتجاه التخلص من المركزية، وهي مؤشر على صحوة الشعب من غفوته وخروجه من سلبيته ومطالبته بحقوقه، بحيث نضمن ألا نعود أبدا إلى سيطرة الرجل الواحد والعصابة المنتفعة من حوله، فكل إنسان في مكان عمله اليوم صار يطالب بحقه ويقف ضد الخطأ والظلم.. هذا هو السبيل الوحيد لمصر الجديدة التي ننتظرها، ولو سكت كل إنسان اليوم منتظرا الرجل الحديدي الذي يحل كل مشاكله، سواء كان علمانيا أو إسلاميا، فسنصنع بأيدينا الطاغية القادم.
الخلاصة:
هذه الاحتجاجات الفئوية أشبه بطفل جائع يبكي، ولا يوجد طعام له.. يجب أن تخدعه بلعبه وتهدهده إلى أن ينام.. لو لم يبكِ الطفل فلن تعرف أنه جائع.. وبدون اللعبة لن يسكت أبدا!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.