عشرون عاما من الكتابة
(5/5)
عشرون عاما مضت بحلوها ومرها..
من المؤكد أنني كنت أبدو خلالها للكثيرين مجنونا، بسبب عجزهم عن فهم لماذا أضيع كل ذلك الوقت في أشياء لا تعود بالمال الوفير مع أني أستطيع تحصيله، ولا لماذا أبذل كل هذا المجهود ضد واقع لا يتزحزح.
لكني لم أفقد الثقة ـ ولو للحظة ـ في أن كل واقع يمكن تغييره، فالواقع لم يكن واقعا قبل أن يقع، ومعنى هذا أن كلا منا يستطيع أن يساهم في صنع ما سنسميه يوما بالواقع!
واليوم يحق لي أن أعتبر نفسي واحدا من آلاف الشباب العربي الذين كانوا يدفعون صخرة تغيير الواقع الحقيقي بكتاباتهم في الواقع الافتراضي.
اليوم نحن نعيش مرحلة التغيير في أوج الربيع العربي، حيث تهوي الكلمة بالعروش وتطيح بالرؤوس، وتهد عوالم متهالكة وتبني أخرى جديدة!
ولعل هذا ما حاولت قوله منذ أكثر من عشر سنوات، في قصيدة "الرياح" التي هي إحدى انتهاكات حدود اللحظة، حيث عبرت عن الفكر برياح محبوسة في قمقم، تنسف عالم كل من تقابله، وفي النهاية دخلت أنا نفسي القمم لأصير رياحا تنتظر أن تنسف عالم إنسان آخر، وتغير قناعاته السائدة وأفكاره الموروثة.. يمكنكم قراءة هذه القصيدة هنا:
ولاحظوا أنه ليس من المهم أن يؤثر كل فرد منا في الملايين.. فيكفي أن يؤثّر في الدائرة المحيطة به ليصنع التغيير، لأن الإنترنت فتح للجميع باب التعبير، في شبكة تفاعلية عنقودية متداخلة، تشمل مئات الآلاف أو الملايين من نقاط التأثير والتأثر، ولو عن طريق تناقل الأفكار الجيدة وليس بالضرورة إبداعها.. وهذا لا يضمن فقط سهولة انتقال الأفكار، بل يضمن كذلك سرعة انتشارها في أوقات قياسية تضمن سهولة قتل الشائعات في مهدها، وفضح أية أكاذيب إعلامية بمنتهى الوضوح.. والأهم من هذا، استحالة السيطرة على الأفكار أو قمعها، إضافة إلى تراكم هذه الأفكار عاما عبر عام لتشكل مخزونا مؤثرا يزداد ضغطه باستمرار من أجل التغيير.
لكن في وسائل الإعلام الفوقية، تستطيع الأجهزة القمعية السيطرة على الأفكار من المنبع، بصناعتها من خلال وسائل الإعلام التابعة لها، أو من خلال ترويضها بتهديد وسائل الإعلام الخاصة أو إغلاقها وقت اللزوم.
إن أكبر مشكلة في نظم المعارضة الهرمية، هي سهولة القضاء عليها بضرب الرأس.. لهذا يكفي للسيطرة عليها إقصاء القيادات المؤثرة، أو إرهابها، أو ابتزازها بأخطائها، أو اعتقالها، أو في أسوأ الظروف اغتيالها.. وكل هذا كان يجيده الحكام العرب طوال العقود الماضية.
أما في نظم المعارضة العنقودية، فهناك مئات الآلاف من القيادات الموضعية، حيث يعتبر كل فرد جهاز إعلام في نفسه، وقائدا فكريا للمجموعة الصغيرة المتصلة به، وهذا يجعل السيطرة على كل هؤلاء واحتوائهم أو التخلص منهم ضربا من ضروب الخيال الأسطوري!
باختصار: إنه عصر الإعلام الشخصي لا الإعلام الجماهيري، كما سمّاه د. أحمد زيل.
***
عشرون عاما مضت، مررت عبرها برحلة طويلة متعبة وممتعة.
والآن لا أدري إلى أين يمكن أن تتجه بي هذه الرحلة بعد هذا، لكن ما أعلمه أن الكتابة تسري في دمي، وأنني مهما حاولت التوقف عنها أعود إليها، أيا كان شكل القالب الذي تخرج فيه.. فمن الواضح أن الكتابة إفراز طبيعي يختمر من مزيج أفكاري ومشاعري وأحلامي، و أنتجه طالما أنا حيّ شئتُ أم أبيت، بسبب طبيعتي الحادة القلقة الباحثة عن الجديد، والراغبة في التأثير في الآخرين، والطامحة إلى تغيير الواقع!
***
عشرون عاما مضت..
كانت الرحلة طويلة ومرهقة..
لكن في النهاية، كل المتاعب تبتلعها هُوة النسيان، وكل الآلام تتبدد في غياهب الزمن.
ولا يبقى إلا الإبداع ومتعة الإنجاز!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.