عشرون عاما من الكتابة
(3/5)
لا أدري متى صار الأمر طموحا بالنسبة لي، ولكنّي اكتشفت أنّني لم أعد أستطيع ترك القلم، لدرجة أنّني كنت أترك الأسرة في المصيف، وأعود إلى أوراقي وأقلامي، وأعاني أعراض انسحاب حادة إن ابتعدت عن عالمي الذي أعشقه.
كما صرت أدوّن كلّ فكرة تراودني وكلّ شعور ينتابني.. ولدي كراسات فيها مئات الأفكار لقصص وروايات لم أكتبها حتى الآن.. بل إنّ لدي برنامجا كتبته خِصِّيصَى لأسجل فيه أفكاري الجديدة بطريقة منظمة مفهرسة تسهل عليّ البحث في الأفكار أو تعديلها في أي لحظة، وذكر إن كنت حولتها إلى أعمال أدبية بالفعل أم لا.
وهكذا دون أن أدري وجدت أن الكتابة صارت هوسا.. تنتزعني في الشتاء من تحت الغطاء لتدوين فكرة.. وأهيم معها في الشوارع شاردا في تفاصيل مشهد.. وأتجوّل بدراجتي بين الحقول محلقا مع بيت شعر بدائيّ!
وحتى الآن ما زلت أحتفظ بهذه الأعمال، وأحبّها رغم ركاكة أسلوبها وبساطة أفكارها، فهي بمثابة مذكراتي غير المباشرة، التي تعيدني إلى ذكريات كتابتها.
وبدخول الجامعة احتككت بالكثير من الموهوبين مثل د. أحمد بلبولة، و م. محمد حسام خضر، و أ. سامح النجار، و م. نزار شهاب الدين وغيرهم.. وقد ساعدوني على تطوير أسلوبي في الشعر وإتقان موسيقاه.
وللأسف لم يكن منهم من يكتب الرواية، لكني عامة كنت أمتلك خبرة أكبر في كتابة النثر لأني بدأته مبكرا في المرحلة الإعدادية، ولأنّ معظم قراءاتي نثرية في الأساس، فأنا أحب أن أسمع الشعر، وقليلا ما أقرؤه، وكل خبراتي في الشعر جاءت من الاحتكاك بالموهوبين في المنتديات الأدبية، وليست عبر القراءة.
وفي تلك المرحلة أخذت الكثير من الجوائز من عدة جهات (هناك جائزة واحدة أخذتها في المرحلة الثانوية وهي الوحيدة التي تقدمت لها أصلا، حيث حصلت المركز الأول في القصة القصيرة في مسابقة أقامتها الهيئة العامة لقصور الثقافة على مستوى الجمهورية).
وقد وصل عدد هذه الجوائز بحمد الله إلى عشرين جائزة موزعة على الأنواع الأدبية المختلفة التي أكتبها، حتّى مللت من التقدم للمسابقات :).. ولدي العديد من شهادات التقدير عن فوزي في مسابقات المقال والشعر والقصة والرواية، كما أني أحتفظ بدرع وزارة التعليم العالي لحصولي على المركز الثالث بأول مسرحية كتبتها، وكانت مسرحية عاطفية من الخيال العلمي، تدور أحداثها على المريخ، وأسميتها "لحظات عصيبة".
***
لكن كل هذه الجوائز، لم تمنعني من دخول مرحلة إحباط شديد (لتفاصيل كثيرة يصعب شرحها هنا).. وهكذا مررت بمفترق طرق عام 1997 غير مسار حياتي إلى الأبد، فظللت عامين في حالة اكتئاب لم ينتشلني منها إلا البرمجة، التي وجدتها أفضل من الأدب.. ففي كليهما أحلم وأكتب، ولكن في البرمجة أحقّق ما أحلم به.. إضافة إلى أنني كنت أحتاج إلى فترة نقاهة أنسى فيها مشاكلي وآلامي وصراعاتي مع الواقع ومع المحيطين بي ومع أحلامي ومع كل الأخطاء التي أراها تتزايد يوميا في مصر والعالم.. وهذا لا يمكن أن يحدث إن استمررت في القراءة والكتابة بنفس الكثافة!
وهكذا في تلك المرحلة قلّت كتابتي للأدب، وكثرت كتابتي للأكواد.
وقد قدم عالم الحاسوب ميزة غير متوقعة لمواهبي الأدبية.. فقد كنت حتى ذلك الوقت أكتب على الأوراق حيث أضطر إلى أن أشطب بعض ما أكتبه وأنقحه وأواجه مشاكل في تعديل كتاباتي.. لكن مع دخول الحاسوب إلى حياتي، قررت أن أكتب عليه بعض أعمالي القديمة، ثم تطور الأمر إلى تأليف أعمالي الجديدة عليه مباشرة.
وبسبب البطء النسبي في الكتابة على لوحة المفاتيح مقارنة بالكتابة بالقلم، أتيحت لذهني فرصة أكبر لمراجعة كل لفظ أكتبه والتدقيق في مدى مناسبته للسياق وتأثيره على المتلقي.. ومع سهولة التعديل والحذف والإضافة على الحاسوب، اكتشفت أن أسلوبي تطور بشكل لم أكن أتخيله، فقد صرت أختار جملا أقصر وأكثر تعبيرا (طبعا لأريح نفسي من عناء الكتابة على لوحة المفاتيح J)، مع سهولة مراجعة العمل وتعديله أكثر من مرة بعد ذلك.. بينما في الكتابة على الورق، كنت أضطر أحيانا إلى تمزيق صفحة كاملة وإعادة كتابتها لمجرد تصحيح مقطع واحد، وهو الأمر الذي كان يجعلني أعدل نفسي على أخطائي.. فإن نسيت ذكر شيء ما في جزء من القصة، وتذكرته بعد ذلك بفترة، أحاول أن أوجد مبررا يقنع القارئ بضياع هذا الشيء.. ورغم أن هذا ولّد أفكارا كثيرا لم تكن في حسباني، إلا أنه كان في أحيان كثيرة يهلهل القصة ويفقدها بعض منطقيتها.
وكان من ثمار أحزان هذه المرحلة، القصيدة الديوان "انتهاك حدود اللحظة"، التي كتبتها في نهاية عام 1999 ومطلع عام 2000، وأعتبرها ذروة شعري، والإضافة التي أستطيع أن أقول إنني قدمتها للشعر.
كما خرجت إلى الوجود في مطلع الألفية الثانية مجموعتي القصصية التي أعتز بها كثيرا: "نبضات من قلوب العاشقين"، إضافة إلى انتهائي من رواية "حائرة في الحب"، وهما عملان ما زلت أراهما حتى الآن من أجمل وأهم ما كتبت.
***
وفي العام 2000 أيضا نشرت أول عمل لي مقابل أجر (رمزي بالطبع).. والغريب في الأمر أنني لم أعلم حتى بهذا إلا بعد عامين، رغم أن إدارة رعاية شباب الجامعة سلمتني النقود، فحينما سألتهم عن سببها، قالت لي المشرفة إنني فزت بعمل لي في واحدة من المسابقات!
لكن بعد عامين، فوجئت بصديق لي من فريق المسرح بكلية الهندسة، يثني على مسرحية "مجرد طريقة للتفكير"، ويسألني إن كنت كتبت غيرها.. فلما سألته متعجبا أين قرأها، أخبرني أنها منشورة في دورية "آفاق المسرح"!
وقد استلزم الأمر أن أقوم برحلة بحث في الهيئة العامة لقصور الثقافة والإدارة المسئولة عن إصدار "آفاق المسرح" بل وذهبت إلى وزارة الشباب والرياضة، حتى اتضح لي الأمر.
فقد اشتركت بمسرحية "مجرد طريقة للتفكير" في أسبوع شباب الجامعات الذي تقيمه وزارة الشباب والرياضة بالاشتراك مع وزارة التعليم العالي، وحصلت على المركز الثاني.. وكان أ. محمد الشربيني رحمه الله هو من يحكم المسرحيات المشتركة في المسابقة، وكان في نفس الوقت رئيس تحرير "آفاق المسرح"، فقرر نشر المسرحيات الخمس الفائزة في هذه الدورية المتخصصة، وأرسل مكافأة النشر إلى وزارة الشباب والرياضة التي أرسلتها بدورها إلى الجامعة دون إيضاح السبب!
ونظرا لأني كنت آخر من يعلم بنشر مسرحيتي، لم أستطع أن أجد من العدد الذي نشرت فيه سوى نسخة واحدة، قدمها لي هدية أحد الموظفين في مقر الهيئة العامة لقصور الثقافة!
***
الي الامام دائما استاذنا الغالي ووفقك الله ولكن لي تعقيب مفترق الطرق 77 ولا 97 كده هتحسسنا انك عجزت وكبرت في السن وانت شباب لسه
ردحذفمرحبا م. عوض..
ردحذفكل عام وأنت بخير.
طبعا هو خطأ مطبعي، لأني عام 1977 كنت ما زلت في اللفة :)
تحياتي