المتابعون للمدونة

الأحد، 23 فبراير 2014

بين كتاباتي والواقع!


بين كتاباتي والواقع!

 

رغم كل ما كتبته من أشعار الغزل، أعترف أنني لم أحبّ فتاة قطّ في حياتي كلها، لأني ببساطة لم أجرّب أن أضحي بشيء من أجل فتاة أو حتّى أن أتنازل من أجلها!.. ولهذا حينما أعدت تقييم مشاعري تجاه بعض الفتيات، وجدت أنها لم تتجاوز الإعجاب ـ التعلق على أسوأ الفروض ـ دون أن ترقى يوما إلى مرتبة الحب الحقيقي!

بل إنني لأذهب في اعترافاتي إلى أبعد من هذا: أنا في عالم الحقيقة شخص حاد جدا، وينقسم الناس حولي إلى نوعين:

نوع منبهر بي، ونوع يمقتني أشد المقت!

ولكي يتضح سبب ذلك، يمكن أن أنقل جزءا من رسالة وجهتها لصديقي نزار شهاب الدين يوما، قلت فيها:

"إنّ أسلوبي بصمة عن شخصيتي.. إنّني أمتلك ذلك الحماس المزعج الذي يسيء الآخرون فهمه، وصوتي مرتفع في الكتابة مثلما هو مرتفع في الكلام الشفهي!.. أعترف أن شخصيتي مرهقة ـ ربّما لي أنا نفسي.. ما زلت أجري بنفس الجموح، وأنفاسي لم تتقطّع بعد، والدائرة أبدا لا تنتهي!.. هل تذكّرك هذه الشخصية بشيء؟.. نعم: لقد توقّف نموّ شخصيتي في سنّ الرابعة عشرة (يوم أمسكت القلم) بينما شاخ ذهني بسرعة كبيرة مع نمو قراءاتي وشطحات تأملاتي.. وبهذا أصبحت محاصرا بين تمرّد مراهق نزق يبحث عن كلّ جديد، ويصرّ على ما يؤمن به ضد كلّ ما هو سائد، وملل عجوز فانٍ زهد كلّ ما يسعى إليه الناس، لأنه صار يرى الأمور في نهايتها دون تفاصيلها فهي مجرّدة من متعتها!!"

وأنا أريد أن أظلّ مراهقا إلى الأبد.. أنا طفل يحلم، ومراهق يتمرد.. إذن فأنا مبدع!

لمثل هذا، لا يسير شيء في حياتي بصورة طبيعية.. ولمثل هذا قلت يوما:

"الشعراء هم أولئك الذين يستمتع الآخرون بآلامهم.. الذين يذرفون دموعهم لآلئ.. الشموع التي تحترق من كلا الطرفين!

لا جديد.. قلت قديما:

هل يذهبُ الشعراء للسكينِ للنحر؟

لقد اكتشفت مبكرا أنّ الحزن والألم والشجن هي الجمرات التي تعطي الطاقة لمراجل الشعر والإبداع.. فهل يبحث المرء منا لنفسه بين الفينة والفينة عن آلام جديدة تُؤري جذوة إبداعه؟.. سأفتش في عقلي الباطن لعلي أفعل ذلك دون أن أدري!"

نعم.. الكتابة هي ذلك الجنون.. تلك النعمة وتلك النقمة.. ذلك الإدمان، بكل ما يحققه من لذة ودمار.. ولكن أنّى للمرء أن يقلع عنها؟

كنت كلّ يوم أقول إنني لست شاعرا ولا كاتبا، وإنني سأتوقف يوما ما عن الكتابة.. ولكني أُفاجَأ بنفسي أعود للكتابة مرغما، مهما طالت فترات التوقف.

الكتابة؟.. يا لها من لعنة مقدسة!.. يا لها من براءة مذنبة!

الكتابة داء القلق ودواؤه..

إنها باختصار: مرآة الذات!

والآن يجب أن نتفق على هذا المفهوم:

الكتابة هي محاولة اتزان، حرّضها اضطراب ما في نفس الكاتب فأراد أن يفرغه على الورق.. لهذا فإنّ الأدباء غير مستقرين نفسيا وشعوريا..

إنّ ذواتهم قلقة، وأرواحهم متطلعة، ونفوسهم متمردة على الواقع.

وهل يتوقع أحد من شخص متصالح مع نفسه ومع العالم، أن يترك هذا السلام الروحي ويجذب ورقة وقلما ليكتب عن آلام الآخرين أو مشاكل الحياة؟

أيضا: هل هناك إبداع بدون خرق للمألوف؟.. وهل يسمى هذا الخرق إلا تمردا؟!

لقد شبهت نفس الكاتب بمرشح Filter يعمل على نطاق عريض من الترددات Wide Band، حيث يمكنه استيعاب شخصيات كثيرة وذوات متداخلة.

يمكنني أن أكتب عن (مجدي عادل) ـ بطل رفاق الخطر ـ دون أن أكونه.. بل إنني قد أجيد التعبير عن النساء دون أن يعني هذا بالتأكيد أنّني أحمل شخصية أنثى!

ورغم هذا لا بدّ أن أعترف: يظل جزء ضئيل مني يتسرب إلى شخصيات من أكتب عنهم.. شخصيتي بالتأكيد مبثوثة عبر شخصيات مجدي ومحمد سعيد وأمجد وأشرف وكريم شاكر ورفيق بل وإياد و.... و.... و...!

لقد كانوا جميعا داخل ذهني، وامتزجت مشاعرهم بمشاعري، فشابوني وشُبتهم دون أن يشابهوني بالضرورة أو أشابههم!

تتبقى نقطة هامة في هذا الصدد:

كل كاتب في الدنيا يعرف أن الكتابة تعرّيه على الملأ، لهذا قد يحاول البعض ـ بوعي أو بدون وعي ـ أن يموّه شخصيته عبر كتاباته، بحيث يخفي عيوبه إن أمكن، أو يمررها تحت أنف القارئ دون أن ينتبه إلى أنّ الكاتب يتكلم عن نفسه!.. حتّى وإن كتب الكاتب مذكراته، فمن منا يمكنه أن يتصوره صادقا أمينا في نقد ذاته وكشف عيوبه، دون اللجوء إلى التبرير أو الإسقاط واختيار زاوية النظر التي تجعله مجرد مضطر أو منساق للظروف؟

الأمور لا تبدو سهلة أبدا!

بالمناسبة: هل بدا لأحد منكم أنني قد تكلمت حتّى هذه اللحظة عن عيوبي الحقيقة؟.. أنا فقط أظهر نفسي كفيلسوف محمل بالخبرات، وشاعر هائم، وشخص أمين يعترف بصدق وصراحة!.. نحن نتعاطف دوما مع الضعفاء، لكننا نتعاطف أكثر مع الأقوياء حين يضعفون وينهارون ويعترفون!

هنا يكمن سر الصنعة!

الكاتب الجيد أفضل من أبرع المحللين النفسيين، ولديه تلك الطريقة التي يستطيع بها التسلل حافيا إلى عقل القارئ ونفسه لوضع الانطباعات والمشاعر التي يريدها، وبالتالي يحصل على ردود فعل يتوقعها.

لمثل هذا لم أملّ قطّ من التحذير من خطورة الأعمال الأدبية وشدة تأثيرها على من يقرؤها.

 

محمد حمدي غانم، 2006

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

صفحة الشاعر