موجة حضارية جديدة، وامرأة جديدة أيضا
(غير امرأة قاسم أمين التي صارت قديمة جدا)!
مع انطلاق ثورة البخار وما تبعها من الحملات الاستعمارية (أو كما أسميها الاستخرابية) التي غزت الشرق كله بما فيه البلاد الإسلامية، حدث الصدام بين ثقافتين مختلفتين (الشرق والغرب) وموجتين حضاريتين مختلفتين (الموجة الزراعية والموجة الصناعية)، وهو صدام ما زال مستمرا في بلادنا إلى اليوم بين العلمانيين والإسلاميين.. لكن ما لم ينتبه إليه الطرفان في غمرة هذا الصراع، هو أننا دخلنا بالفعل موجة ثالثة من موجات الحضارة وهي موجة المعلوماتية.. هذا يضعنا في مشكلتين:
1- مشكلة مع الذين ما زالوا يفكرون بعقلية المجتمع الزراعي ويرفضون الموجتين التاليتين.
2- ومشكلة مع الذين ما زالوا يفكرون بعقلية المجتمع الصناعي ولا يتخيلون أن شكل المجتمع والتعليم والعمل سيختلف لا محالة بسبب هذه الموجة الجديدة.. ومن ضمن مشاكل هؤلاء، رؤيتهم لدور المرأة في المجتمع.. فقد سوّل لهم العلمانيون أن المرأة كانت مظلومة طوال التاريخ لأنها لم تكن تلعب في الحضارة الزراعية نفس الدور الذي تلعبه الآن في الحضارة الصناعية.. طبعا هذا تسطيح واستخفاف بالعقول، لأن المهن المتاحة في العصور القديمة كانت في معظمها مهنا عضلية كالحرب وتحطيم الصخور والاحتطاب، أو مهنا فيها مشقة عالية كالترحال مع القوافل لشهور في مجاهل القفار بغرض التجارة، أو حتّى كالزراعة التي كانت النساء تساعد أحيانا في الجزء المتيسر منها كالحصاد أو إلقاء البذور.. لهذا كانت المرأة تنأى بنفسها عن هذا العناء، وتبحث عن الفارس الذي يحميها من غائلة هذه المهن المميتة، وكانت نظرة المرأة لنفسها وطموحاتها تنبع من هذا المنطلق، وفتى أحلامها هو ذلك الرجل القوي القادر على إعالتها وحمايتها و"تستيتها".. لكن المضحك أن يأتي الآن من يزعم أن المرأة كانت مظلومة لهذا، ولو ذهب إلى أي منطقة نائية عن الحضارة ومدح شقاء النساء فيها من أجل لقمة العيش بزعم أن هذا يساويهن بالرجل، لضربته النساء بالنعال!.. ولا يَقُل قائل إن هذا لا يبرر حرمان النساء من المناصب الإدارية والقيادية، فهو قول أسخف من الأول، لأن القيادة جدارة وليست عطية، وخبرة الرجال في التجارة والصناعة والزراعة والمعاملات والحروب كانت هي شهادتهم للترقي في مواضع صنع القرار، ولا يعقل أن يأتي أحد بامرأة من بيتها ليطلب منها أن تقود مجتمعا ليست خبيرة به!
ويستثنى من هذا حالة واحدة فقط، هي الحالة التي كان الملك يموت فيها دون أن يكون له وريث من أقاربه أو أبنائه، أو يكون له ولد لكنه قاصر، ففي هذه الحالة كانت زوجته تصير الضمانة الآمنة لشرعية انتقال الحكم، فيتزوجها من يريد الحكم، أو تصير الوصية على ولدها إلى أن يستلم الحكم بعد نضجه.. وهذه الحالة خاصة جدا، لدرجة أنه لم تكن هناك وزيرة واحدة لمثل هذه الملكة، لهذا لم يكن من الممكن تعميمها.. وهذا النظام عام في كل أرجاء العالم في الموجة الزراعية، مثله كباقي خصائص المجتمع الزراعي، ولم يكن خاصا بالشرق فقط.. لعل هذا ينبه الذين يتهمون الإسلام أو العرب بظلم المرأة، إلى أن وضع المرأة في أوروبا قبل ثورة البخار لم يكن يختلف عن وضع المرأة في بلادنا في العصر الأموي أو العباسي أو غيرهما، بل في الحقيقة كان فيه الكثير من السوء، وكانت المرأة مخلوقا دونيا، وتم حرق آلاف النساء في أوروبا لمجرد الاتهام بالسحر والمس الشيطاني!
كل هذا الكلام يقودنا إلى حقيقة هامة للغاية: الأوضاع التي خلقها المجتمع الصناعي مكنت النساء من العمل بسبب تقليل الاعتماد على العضلات في وجود الآلة كبديل، ولم يبرز ذلك كقضية إلا أثناء الحرب العالمية الثانية، بسبب نقص الأيدي العاملة من الرجال الذين تم استياقهم إلى الحرب بالملايين فتم التعويض عنهم بالنساء للعمل في المصانع اللازمة للإمدادات الحربية، وبعد الحرب ظهرت الدعوات لمساواة رواتب ومناصب الرجال والنساء، وفرضت الحكومة الأمريكية عقوبات على الشركات التي ترفض تشغيل النساء أو تميز بين الرجال وبينهن، مما أكره هذه الشركات على تعيين نساء أقل كفاءة لمجرد نيل مناقصات الحكومة، كما فرضت أمريكا علينا هذا الخبال بضغوطها السياسية والاقتصادية، وغسيل المخ الإعلامي الهوليودي، وهناك حقيقية مذهلة في هذا الأمر، فقد وقّعتْ (مصر) على اتّفاقيّةِ إزالةِ كافّةِ أشكالِ التمييزِ ضدَّ المرأةِ في 16/7/1980، وصادقتْ عليها في 18/9/1981.. بينما رفض الكونجرس الأمريكيّ إقرار هذا القانونَ عامَ 1982 بسب رفض معظم الولايات الأمريكية له لمدة ثمانية سنوات متتالية.. واضح إذن أننا أكثر ديمقراطية ونسوية من أميركا نفسها.. هل يعني لكم هذا شيئًا؟؟؟!!
النقطة الهامة الأخرى، هي أن الموجة الصناعية استلزمت نوعا خاصا من التعليم بالكتلة يخرج الأيدي العاملة المناسبة لخطوط الإنتاج بالكتلة في المصانع.. والحقيقة المخزية أننا ـ رغم دخول العالم موجة حضارية جديدة ـ لم ننجح حتّى الآن في دخول الموجة الصناعية، ونحن لا نصنع شيئا ذا قيمة، ومعظم ما نستهلكه نستورده، حتّى ما هو متاح لنا كصناعة السيارات مثلا أو حتى لعب الأطفال!!.. وبالطبع السبب الرئيسي لهذا هو فشلنا الذريع في خلق نظام تعليمي يصنع اقتصادا قويا، لأننا ببساطة فقدنا الهدف منذ البداية، وهبطنا بالتعليم مع قيام الثورات الشيوعية والاشتراكية في بلادنا ليصبح مؤسسة حراك اجتماعي، وعبأناه بفتية وفتيات هو غير قادر على استيعابهم!!.. إننا نفتقر إلى قادة يملكون أية رؤية مستقبلية مبنية على منهجية علمية، لهذا لم تختلف النتائج في الدول الفقيرة كثيفة السكان كمصر عن الدول الغنية قليلة السكان كدول الخليج، ولا في الدول التي ادعت تطبيق الشريعة الإسلامية كالسعودية، عن الدول التي تبنت نظريات علمانية كسوريا، ولا في الدول الجمهورية عن الملكية عن الإمارية عن السلطانية (ليست سلطانية الفول طبعا) عن الجمهوكية (وهي التي يورث فيها الرئيس الجمهورية لابنه)....!!!
الخلاصة: إن من يدافعون عن وضع المرأة المشوه الحالي في التعليم والعمل، هم في الحقيقة يتمسكون بأهداب موجة حضارية غاربة، بكل ما شابها من احتلال وسرقة لنقود الفقراء وفحش وانحلال وغسيل مخ إعلامي وإبادة ثقافات الحضارات القديمة، بينما نحن الآن بالفعل في طليعة موجة حضارية مزدهرة، هي فرصتنا الأخيرة للقفز فوق الفجوة الهائلة التي تفصلنا عن الغرب.. فهل نحن فاعلون؟!
وأنا حينما أطالب بإيقاف تعليم الفتيات، ورفت النساء العاملات التي لهن من يعولهن، إنما أدعو إلى ركوب موجة الحضارة الجديدة.. فوسائل المعرفة المتاحة في البيوت الآن (كتاب، مذياع، تلفاز، فضائيات، حاسوب، إنترنت، هاتف، محمول، بلوثوت، آي باد) أكبر وأعظم من الوسائل التعليمية العقيمة الموجودة في المدارس، واليوم لدينا معظم الأمهات متعلمات، فما الداعي لإخراج الفتيات من بيوتهن وتدمير فطرتهن للحصول على تعليم تلقيني، يمكن الحصول على أفضل منه من البيت؟
ولماذا نزج النساء في وظائف لا تناسبهن، بينما لدينا في مصر 10 مليون شاب عاطل و على الأقل 6 مليون عانس عبرت الثلاثين بدون زواج؟!!
إنهم يقولون إن جلوس المرأة في بيتها يهدر نصف طاقة المجتمع.. بينما لا يعنيهم جلوس الشباب العاطل على المقاهي ولا اتجاههم إلى السرقة والاغتصاب للحصول على ما لا يستطيعون الحصول عليه بالطرق المشروعة!
بينما في الحقيقة، جلوس المرأة في بيتها سيخفف من مشاكل المواصلات والبطالة والعنوسة والتحرش، ولو علّمت كل أم بناتها لوفرت للدولة مليارات الجنيهات سنويا لا تحقق شيئا منها بعملها الروتيني الذي هو في حقيقته بطالة مقنعة!
ويظل باستطاعة المرأة ركوب الموجة الحضارية الجديدة، والعمل عبر الإنترنت في التعليم عن بعد، أو الترجمة، أو البرمجة، أو تصميم المواقع والرسوم، أو إدخال البيانات، أو صنع الملابس والتحف والمأكولات وتسويقها على مواقع التجارة الالكترونية، أو تأليف المقالات والكتب... إلخ!
والأهم من هذا، أنها بوجودها في بيتها مع بناتها وأولادها، ستعيد للمجتمع المصري أخطر شيء فقده في نصف القرن الماضي: التربية!
فلعلي إذن لا أكون بدعا من البشر، إن طالبت كل رجل يقرأ هذا الكلام بعدم إدخال بناته المدرسة حتى لا يدمر مستقبلها ويضمن لها العنوسة وضياع الحياء وفي الغالب لن تجد وظيفة أصلا بعد أن تتخرج، وكذلك بعدم السماح لزوجته بالعمل، ليجد من ترعاه وتربي أبناءه.. هذا إلى أن يهدي الله المسئولين في مصر لتنفيذ خطة الإصلاح التالية بصورة رسمية منهجية:
1- إلغاء تعليم الفتيات تماما ونهائيا لتوفير نصف الميزانية وتقليل كثافة الفصول إلى النصف عاجلا، وحل مشكلة البطالة والعنوسة آجلا.
2- رفت كل امرأة عاملة لها عائل مهما كان منصبها، وإلزامها بتعليم بناتها القراءة والكتابة والتعامل مع الحاسوب والإنترنت، لنحصل على فتيات مثقفات بدون أي تكلفة إضافية.. هذا سيحل جزءا كبيرا من البطالة والعنوسة عاجلا، ويجعلنا نجني عائدا حقيقيا من كل التريلونات التي أنفقناها لتعليم النساء في نصف القرن الماضي.
3- إعادة نظام الكتاتيب لتحفيظ القرآن وتعليم القراءة والكتابة والحساب، وفرز الأطفال النوابغ من هذه الكتاتيب لتدعمهم الدولة للاستمرار في تعليم أكاديمي عالي الجودة مجهز بالمعامل الحديثة والحواسيب والشبكات المعلوماتية، ليكونوا نواة البحث العلمي الحقيقي في مصر.
4- إنشاء مراكز للتأهيل الحرفي لتعليم الأطفال الزراعة والسباكة والنجارة والصيد وغيرها من الحرف بدءا من سن 10 سنوات، لتخريجهم إلى سوق العمل في سن 14 عاما.. ويعتمد هذا التأهيل على إمدادهم بالمعارف النظرية اللازمة للحرفة وقواعدها وقوانينها، مع فترات تدريب عملي تتناسب مع عمر الطفل وتتصاعد تدريجيا.
5- الخروج من كل الاتفاقيات الدولية الخاصة بعقوق الإنسان وعقوق المرأة، وإعادة تعريف الطفولة إلى سن 14 سنة وليس 18 سنة، لأن البلوغ في مصر من 12 إلى 14 سنة، والسماح للفتيات بالزواج من سن 14 سنة وليس 18.
6- التجنيد الإجباري لكل شاب في مصر بدءا من سن 18 سنة لمدة 3 سنوات لتكليفهم بتعمير الصحراء وإنشاء المشاريع القومية العملاقة والمدن الصناعية والسكنية الضخمة، مع تمليكهم الأراضي التي يزرعونها والشقق التي يبنونها، ومنح الحرفيين منهم وظائف في المصانع التي بنوها.
7- استحداث دورات تأهيلية وشهادات متخصصة مختصرة تمنح للحرفيين في مجالاتهم إذا أرادوا ترقية أنفسهم في أعمالهم.
من وجهة نظري، هذه هي الحلول الوحيدة الممكنة للوضع الكارثي الذي وصلنا إليه، فنحن نختنق في 4% من مساحة مصر، وندمر ما بقي من الأرض الزراعية بالزيادة السكانية، وجيوش العاطلين لدينا تتضاعف، وتتزايد معدلات العنوسة والطلاق وانحراف الأبناء والجرائم.
لقد صرنا شعبا كله إداريون ولا أحد يعمل، ونساؤنا كلهن عاملات ولا أحد يربي، وأجيالنا كلها عاطل فاسد فاقد الهدف، في دولة مديونة تتسول قوتها، والأدهى أنها باعت مستقبل أولادنا مؤخرا، بإصدار سندات الحكومة الدولارية، واجبة السداد بعد 30 عاما (أي أننا نستدين على حساب أولادنا.. يجب أن ينظر كل منا إلى طفله باحترام وأدب، لأنه هو من ينفق عليه حرفيا، وسيسدد هذه الديون مستقبلا!!!)
لقد أعلنت الحكومة المصرية حالة الطوارئ منذ ثلاثين عاما لكنها لم تخبرنا بعد أننا في حالة حرب، وأن مصر تموت، وأننا نبيد أنفسنا بكفاءة!!
فهل سننتظر الفناء في صمت؟.. أم سنعمل لتغيير هذا الواقع المريض؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.