ذات يوم منذ عدة سنوات كنت أستقل الحافلة من دمياط إلى القاهرة، وكان مما يزيد من وعثاء السفر بالنسبة لي الأفلام العربية التي يتم عرضها في الفيديو في الحافلة، فهذه وسيلة سفر عامة فيها أطفال ونساء وفتيات جامعيات، والمشاهد التي تعرضها أفلامنا المصرية تخدش حياء من لا حياء له أصلا، فما بالك حينما تجد نفسك تشاهد فيلما كل مشاهده من هذه النوعية؟!.. ويزداد الطين بلة حينما تجد نفسك تجلس بجوار فتاة، فلا تدري أين تجد مهربا من هذا الحرج!
ومن المؤسف، أنني كنت دائما الوحيد الذي يذهب إلى السائق لتغيير الفيلم، ولو لم أتحرك أنا فلا أحد يتحرك مطلقا!.. كبيرا أم صغيرا!.. ووجه الأسف أنني مع الوقت شعرت بالإحباط، ولم أعد أستطيع أن أواصل الحرث في البحر إلى ما لانهاية!
لقد تبلدت مشاعر الشعب المصري من فرط الأذان في مالطة، وصار الجميع ساكتين، سواء رضوا أم سخطوا!
وكان أكثر ما يفزعني دائما هو سؤال: وماذا لو انقلبت الحافلة بنا الآن ونحن نشاهد هذا السفه؟
***
في ذلك اليوم الذي لا أنساه، كان الفيلم الذي يتم عرضه يدور حول العجز الجنسي!
ليس مشهدا فاحشا، ولا اثنين.. بل كل الفيلم وقضيته تدور حول هذا الموضوع المحرج، ولا توجد لقطة غير فاضحة!
وغلى الدم في عروقي، وذهبت إلى السائق وطلبت منه أن يخلصنا من هذا الفيلم، لكنه ولدهشتي أصر باستماتة على عرض الفيلم، رغم أنه ـ كسائق ـ لا يتابعه.. واحتدم الحوار بيننا، وكانت حجته أنه لا يحق لي أن أفرض رأيي على الركاب!!!
ولأني أعرف أن الشعب المصري لا يفتح فمه بكلمة، فقد استدرت إلى الركاب وسألتهم إن كان واحد منهم يريد مشاهدة الفيلم.
وكما توقعت لم يفتح أحد فمه بكلمة، لهذا كررت السؤال في ثقة، استعدادا لأن أجبر السائق على إيقاف الفيلم.
لكني فوجئت بشيء لم يكن في الحسبان، فقد أجابتني هذه المرة.. امرأة!!
نعم.. امرأة تغطي شعرها في حوالي الخامسة والثلاثين من عمرها، سألتني في بجاحة:
- وماذا في الفيلم؟
فأجبتها بأنه غير محترم، فقالت لي في صفاقة:
- إذا لم يكن الفيلم يعجبك فلتغمض أنت عينيك!
وضحكت ضحكة كريهة معجبة بذكائها!
وأرتج علي وأنا أشعر بذهول، وإحباط جعلني لا أواصل الجدل.. فالموقف كان عبثيا إلى أقصى حد!
أنا الشاب المراهق أطالب بتغيير الفيلم حرصا على حياء النساء، لأجد واحدة منهن هي التي تمنعني عن ذلك!
ووجدت أنه من السخف أن أجادلها.. لقد ضاعت القيمة التي أجادل من أجلها أصلا، ولم يعد هناك ما يقال!
وحتّى إن كان هناك حق لباقي النساء، فقد أضاعه صمتهن وصمت رجالهن، فحتّى تلك اللحظة لم يفتح أحد الركاب فمه بكلمة!
لهذا قلت لنفسي:
- حقا.. إذا لم تَستَحْيِ فاصنع ما شئت!
وانسحبت وأنا أشعر بمرارة هائلة، لم تفارقني إلى اليوم!
مرارة تعاودني وأنا أشاهد كل أب يقتل أخلاق طفلته الصغيرة بمشاهدة الأفلام والمسلسلات والأغاني المصورة والإعلانات التي تذهب بحيائها، وبدون أن يطلق حتّى كلمة استنكار واحدة تساعدها على تمييز الحلال من الحرام والعيب من اللائق!
مرارة تعاودني حينما أشاهد كل كاسية عارية تعرض لنا مفاتنها بنقود زوجها أو أبيها الذي رباها على أخلاق الراقصات والمغنيات والممثلات!
مرارة تعاودني حينما تشاهد أحدهم بعد ذلك يصرخ مذهولا حينما يفاجأ بأن ابنته تزوجت عرفيا أو اغتصبها أحد المجرمين أو صورت نفسها عارية على هاتف محمول أو بكاميرا الحاسوب، أو طلقها زوجها بعد عام أو اثنين من الزواج، أو أن زوجته قد خانته أو... أو... أو.... في حين أن كلا منهم لا يجني إلا ما زرعت يداه، ويدفع ثمن صمته في حافلة الخرس التي يقودها قواد!
***
ملحوظة1:
لم أعد أركب الحافلات لأريح أعصابي من هذا الخبال، وبدلا من هذا صرت أركب سيارات الأجرة.
ملحوظة2:
أرجو ألا تعلق أية فتاة على هذا الموضوع، فالحياء أولى وأبلغ من أي شيء تقوله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.