المتابعون للمدونة

الاثنين، 23 أغسطس 2010

من نهاياتِ بداياتٍ خاطئة

أنا وأنتِ، وأحلامُ قصّةٍ ماضية، ولحظةٌ وحيدةٌ مليئةٌ بالدمع.
مشهدُ الفِراقِ الحزين.
حينَ يشدُّ كلا منّا طريق، وتتمزّقُ بينَنا أشياءُ حُلوة.
لا تُجدي الكلماتُ كثيرةً أم قليلة، لأنَّ الحبَّ حينما يحتاجُ إلى كلماتٍ تُثبتُ أنّه حيّ، يكونُ في آخرِ لحظاتِ الاحتضار.
لا يهمُّ مَن منّا السبب، لأنَّه ـ سواءٌ كان أنا أو أنتِ أو أشياءَ خارجةً عن إرادتينا ـ في كلِّ الأحوالِ النتيجةُ واحدة.
دائمًا هناكِ لحظةٌ تنتهي عندَها الغفوة، وتبدأُ الصحوة.. تروحُ السكرةُ وتجيءُ الفكرة.. تأتي الحقائقُ المجرّدة.
فقط يتبقّى حلمٌ صغيرٌ جميل، ذكرى عابرةٌ في ساعةِ شرود، مصحوبةٌ ببسمةٍ هادئة، أو دمعةٍ فاترة.
كيفَ تحوّلْنا أنا وأنتِ إلى كلمتينِ مجوّفتين، لا يصدرُ عنهما إلا صدى اصطداماتِ الأماني: (أنا) و(أنتِ)؟
سامحيني لأنّي أسأل، فقد ظللْتُ طويلا أعتقدُ أنّنا ـ (أنا) و(أنتِ) ـ معنىً واحد، جناحا طائرٍ في رحلةٍ سرمديّة، متناغمانِ موسيقيّانِ متناسقان.
الآنَ فقطِ اكتشفْتُ أنَّ طائرَنا علا أكثرَ ممّا ينبغي، حتّى إنَّ الشمسَ أذابَتِ الصمغَ الّذي كان يُثبّتُ جَناحيهِ فانفصلا، وتردّى.
ها هو على كفّي صريع.
سامحيني أنّي أُعيدُه إليكِ.
القلبَ الفضّيَّ الّذي كان يحويكِ ويحويني.
خذيه، لأنّه لو بقِيَ معي، فسأشعرُ بالخَواءِ والوحشة، وأنا بينَ جنباتِه بمفردي، تائهًا أبحثُ عنكِ.
وأرجوكِ: حاذري وأنتِ تأخذينَه، أن تلامسَ أناملُكِ أناملي، فأنا للأسف ـ وسامحيني على ضعفي ـ ما زالَ قلبي ينصهرُ من دفءِ أناملِك.
أعرفُ أنَّ كلماتي صارتْ تُضجرُك، لأنّها ـ كما تقولين ـ كلماتٌ بلهاءُ بعيدةٌ عن الواقع، غارقةٌ في أوهامِ الشّعراء، تفتقرُ إلى الصدقِ الكافي، وتعوزُها المعاني، كأنّها تخرجُ من فمِ مخمور.
معكِ حقّ.
لَكَمْ جرّدَتني خَمرُ عينيكِ من واقعي، وأنستني أنَّ للحياةِ مقوّماتٍ أخرى غيرَ الحبّ.
يا لي من أحمق!
حقًّا، لا شيءَ في الدنيا بلا ثمن، إلا الأشياءَ التافهة.
فما أتفهَ أتفهَ الأحلام، فهيَ في كثرةِ الحصى والرمالِ والمجانين!
ما أهونَ أن يُغمضَ المرءُ عينيه وهو سائر، ويبدأَ في اكتنازِ الأحلام!
بالطبعِ سيكونُ محظوظًا، لو لم يسقطْ في حفرةٍ من ملايينِ الحفرِ الّتي ترصّعُ طريقَه.
مغفّلٌ مَن يفعلُ ذلكِ، ألستِ معي؟
سامحيني لأنّي كُنْتُ كذلك.
أعدُكِ أعدُكِ أنّي سأكونُ أكثرَ حرصًا في المرّاتِ القادمة، أحلمُ على قدرِ وقفاتِ تقطُّعِ أنفاسي، بأن أُكملَ المشوارَ نمطًا ككلِّ الأنماطِ السابقةِ والتالية، محافظًا على كينونتي على خطِّ التجميع، تُضافُ لي كلَّ يومٍ قطعةٌ جديدةٌ ضروريّة، من قطعِ الأعرافِ والتقاليدِ والروتينيّات، أعرفُ من أينَ آكلُ الكتف، ومن أين أشترى الخبز، ومن أينَ أتلقّى قرشًا يُثقلُ كفّي وقيمتي في الدنيا، ويحقّقُ لي أحلامًا عظيمةً كبيرة، كالتي تنطلقُ على أربعٍ وتدوسُ المطحونين، ويوقظُ نفيرَها النائمينَ على الأحلامِ جياعا، السائرينَ بالأحلامِ حفاةً حتّى من العقول.
أو كالتي يقرأُ المُعدمونَ لها الفاتحةَ كلّما مرّوا عليها، وتنقصفُ رقلبُهم وهم يحاولونَ إحصاءَ ارتفاعِها، ويحقّقُ المتفائلونَ منهم، حلمًا خرافيًّا بالتحليقِ في الهواء، بالقفزِ من فوقِها إلى أحضانِ عالمٍ آخر، يتصوّرونَ أنّه سيستقبلُهم أكثرَ رحمة.
*****
آه.. متأسّفٌ جدّا.
لماذا أوجعُ رأسَكِ بفلسفتي الفارغة، وأنتِ طالما أخبرْتِني أنّكِ تمقتينَ أيّةَ فلسفة، عدا فلسفةَ الغايةِ والوسيلة، وأسرعِ طرقِ الوصول، وأكونُ أو لا أكون؟
صدقْتِ.. وماذا ستكونينَ معي؟.. مفردةً مكرّرةً في جملةٍ لا جديدَ فيها: "عاشا وماتا دونَ أن يريا النور!"؟
وأنتِ ـ ويا لكِ من حصيفة! ـ لم تُدمني مثلي أحلامَ فئرانِ الأقباء، الّتي تموتُ لو رأتِ النور.
*****
آه!
أليسَ عجيبًا أن أكتشفَ الآنَ فقط، أنَّ التناقضَ بينَنا مهول، للدرجةِ الّتي تجعلُ التقاءَنا، أشبَهَ ما يكونُ بالتقاءِ شمسٍ مضيئةٍ بثقبٍ أسود؟
كيفَ أحببْتُكِ إذن؟.. أليسَ الحبُّ أعمى؟
بل ما هو الحبُّ إطلاقًا؟
أرأيتِ كيفَ تنهارُ المفاهيمُ من جذورِها؟
أرجوكِ بادري بإنهاءِ هذه اللحظاتِ العِجاف، قبلَ أنْ تتناثرَ كلُّ محتوياتي أمامَكِ مفكّكةً لا معنى لها ولا قيمة.
و شكرًا كثيرًا على هذا الدرسِ الكبير.
وداعًا أبديّا.
*****
محمد حمدي غانم ـ 1997

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

صفحة الشاعر