أدب الشباب في مصر في أربعة عقود
(3/3)
نأتي إلى حقبة التسعينات، التي بزغ فيها نجم د. أحمد خالد، الذي هو إضافة ثرية إلى أدب الشباب في مرحلة عمرية أعلى، كما أنه فتح بسلسلته "ما وراء الطبيعة" بابا جديدا افتقر إليه الأدب العربي الحديث، وهو أدب الرعب، ويحسب له أنه يكتبه كأدب نظيف، بعيدا عن متلازمة الإباحية والعنف الدموي، ويطعمه بأسلوب التأمل الفلسفي الساخر المليء بالمعلومات الثقافية في مختلف المجالات، بالإضافة إلى كتابته سلسلة مغامرات فريدة من نوعها في الأدب العربي اسمها "سافاري"، بطلها طبيب مصري في أدغال أفريقيا، وهي بذلك تضع قارئها في جو الأطباء والمستشفيات والمعلومات الطبية الغزيرة، إلى جانب جو الأدغال الأفريقية والقبائل والسحر، وهو مزيج جديد فعلا، ويثري معلومات القارئ بصورة غير مسبوقة.
أما سلسلته "فانتازيا"، فهي كتب نقدية متنكرة في شكل روائي، يقدم من خلالها نقدا لكبار الكتاب والمفكرين والفلاسفة وشخصيات التاريخ، وتستحق بجدارة لقب سلسلة تثقيفية.
ويمتاز د. أحمد خالد بتجدده الدائم شكلا ومضمونا.. ولعل سلسلته الجديدة "www" التي تدور في عالم الإنترنت تعتبر واحدة من درره العبقرية، وتدل على أنه يواكب أحدث منجزات العصر، ويكتب في علوم خارج تخصصه، ويجاري جيلا ليس جيله، مما يشير بوضوح إلى مرونة ذهنية عالية وليس مجرد ثقافة واسعة.
لقد احتلت هذه السلسلة المرتبة الثانية بعد سافاري من حيث استمتاعي بها وتقديري لإبداعها وإن كان مقلا في إصدارها، كما أن لدي ملاحظة تتعلق بترجمته لبعض مصطلحات الحاسب، وهو أمر خلافي حتّى الآن بين المعربين، ويهمني خصوصا لأني أكتب في مجال البرمجة وأعاني من هذه المشكلة.. لكن عامة هذه سلسلة عبقرية وبديعة، وتضاف إلى قائمة كتاباته التثقيفية التي أدب فيها المغامرة وغمّر الأدب، وعلّم فيها الأدب وأدّب العلم J.
***
من وجهة نظري، هذا التطور في الكتابة للشباب من السبعينيات إلى التسعينيات مبشّر، وقد شهد القرن الواحد والعشرون ظهور عدد أكبر من الكتاب من تلاميذ د. نبيل فاروق وأحمد خالد، أبطالهم أطباء ميدانيون وأطباء شرعيون وأطباء نفسيون ومهندسون ومحققون أذكياء، يقدمون لقرائهم طرقا للتفكير العلمي ومعلومات متنوعة مفيدة، في إطار من المغامرات الشيقة، مما يبشر بتنوع فكري يحرك خيال الأجيال الجديدة وأفكارها، بعيدا عن أدب المخمورين واللصوص والزناة والشواذ، الذي يسميه النقاد أدبا وهو قلة أدب وجهل، وجريمة عقلية مدبرة، دمرت عقول صفوة مصر في الأجيال السابقة، وأنا أراها سببا رئيسيا في كل الجهل والخبال والانحدار الذي وصل إليه واقعنا اليوم!
***
طبعا هناك مشكلة كبيرة تواجه هذا النوع من الأدب الآن، وهي أن قراء الكتاب المطبوع في الوطن العربي ينقرضون بمعدل متسارع منذ عقد من الزمان، بسبب منافسة الفضائيات والإنترنت وألعاب الفيديو، والمؤسف أن السينما والتلفاز أهملا بشكل شبه تام هذه الأعمال، ربما بسبب ارتفاع تكلفة إنتاجها.. ولم يتم إنتاج إلا بعض أعمال من الرسوم المتحركة عن المغامرين الخمسة ورجل المستحيل، وفيلم سينمائي واحد تناول أبطال "الشياطين الـ 13"، وإن كانت فكرته من خارج السلسلة، حيث يتكلم عن المنظمة بعد أن تم حلها، وتغير ولاء أحد أبطالها، ومواجهة الآخرين له، وهو من وجهة نظري فيلم مسيء للسلسة وأبطالها!
لكل هذا أرجو أن تتبنى إحدى شركات الإنتاج هذه السلاسل، وتقدمها للجيل العربي الجديد بالشكل الذي يناسب عصرهم.. وأنا أرى أن سلسلة سافاري تصلح للإنتاج عالميا، بسبب وجود البطل في أفريقيا، وتعامله طيلة الوقت مع أفارقة وأجانب، حيث يكون معظم الحوار بالفرنسية والإنجليزية.. ومع ضرورة تصويرها في أفريقيا والاستعانة بالزنوج والأجانب لتكون واقعية، سيكون من العسير إنتاجها كمسلسل عربي، خاصة مع ارتفاع تكاليف الإنتاج.. لكل هذا أرى أنها يجب أن ترشح لهوليود عن جدارة.
أما الحل الأسهل والأرخص نسبيا، فهو إمكانية إنتاج كل هذه الأعمال كأفلام أو مسلسلات مجسمة 3D Graphics، فهذا سيوفر تكاليف تصوير المغامرات وخدع الخيال العلمي والسفر إلى بلاد بعيدة.. كما أن هذا سيجعلها جذابة للأطفال والصبية.
فلماذا لا تفكر أي قناة فضائية في دعم هذا المشروع، الذي رغم تكلفته، سيضمن لها مادة متفردة عن باقي القنوات المنافسة التي صارت بالمئات؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.