هل سيحكم الإسلاميون مصر؟
يشكك البعض في صدق ما أعلنه الإخوان عن أنهم لن يأخذوا الأغلبية في المجالس النيابية ولن يسعوا إلى الرئاسة.. لكني في الحقيقة أصدقهم وأرى أن هناك أسبابا كثيرة تؤكد صدقهم:
- فمن المستحيل أن يحكم الإخوان مصر في وجود نخبة مثقفة علمانية معادية تعرف أنها ستخسر كل مكاسبها لو تم تطبيق شرع الله أو حتى تم تطبيق القانون الوضعي عليهم، وشرطة تمت تربيتها على كراهية الإسلاميين والتنكيل بهم، لن تسمح لهم بالوصول إلى الحكم حتى لا ينتقموا ممن عذبوهم، وشعب ممتلئ بالخوف من الإسلاميين بسبب الإعلام المضلل والأفلام والمسلسلات التي شوهتهم ووصمتهم بالإرهاب.
- كما أن الإخوان والإسلاميين تنقصهم الكوادر اللازمة للسيطرة على كل المناصب الهامة في الدولة، وذلك بسبب محاصرة أمن الدولة لهم، ومنعهم من شغل مناصب الدولة العليا والمتوسطة بل وأحيانا الدنيا طوال العقود السابقة.. وحتى إن وجدت الكوادر، فستنقصها الكثير من الخبرة العملية، ولو تسلموا البلد فجأة فقد يؤدي هذا إلى خروج الأمور عن سيطرتهم.
- إضافة إلى كل هذا، استلام السلطة الآن يشبه قيادة قاطرة تنطلق بسرعة جنونية إلى الهاوية، وأيا كان من سيتسلم السلطة في مصر فسيواجه موجات غضب عارمة من الشعب الساخط على الظروف الاقتصادية والمعيشية المتردية، فلا توجد حلول سحرية سريعة لكل المشاكل التي وَرِثَها نظام مبارك وضخّمها وتركها جاثمة كالطود على صدورنا!
- وجود الإخوان في السلطة سيعقّد علاقة مصر بالنظم العربية الاستبدادية أو المعادية للحركات الإسلامية والخائفة من تصدير الثورة إليها، كما سيضع مصر في عداء مع إسرائيل وأوروبا وأمريكا.. وسيجد الإخوان أنفسهم في حاجة ملحة إلى طلب المعونات من كل هؤلاء والقبول بشروطهم على حساب مبادئهم، مما يعني خسارة ثوابتهم وشعبيتهم وإعادة نفس أخطاء مبارك، أو سيتصلبون ويقررون المناطحة في كل اتجاه مما يؤدي إلى دمار مصر وسخط الشعب عليهم!
- الإخوان يعلمون أن الجيش يقدّر كل هذه المخاطر، وأنه أيضا تربى على عداء الإسلاميين والأيدلوجيين بصفة عامة، وأنه سيتدخل في أي لحظة بحسم إن شعر أن وصول الإسلاميين إلى السلطة يهدد أركان الدولة.
كل هذا فهمه الإخوان، فقرروا أن أفضل ما يفعلونه في هذه المرحلة هو مواصلة لعب دور المعارضة والضغط بقوة أكبر قليلا، مع استثمار مناخ الحرية لإيصال رسالتهم إلى الشعب المصري، ومواصلة تطهير مؤسسات الدولة وإعادة بنائها وحل مشاكل مصر الاقتصادية بهدوء.. وفي رأيي هذا يحتاج إلى فترة تتراوح ما بين 10 و 20 عاما، يكون فيها جيل الثورة هو المسيطر على معظم إدارات الدولة وإعلامها.
السؤال الآن هو: لماذا لا يقبل العلمانيون بهذه الفرصة التاريخية، ويستغلون المرحلة المقبلة بدورهم لإثبات وجودهم بين الشعب المصري، ويقدمون حلولا لمشاكله؟.. هل لأنهم مفلسون لا يعرفون إلا الصراخ والسباب وحديث الأعضاء التناسلية؟.. هل لأنهم يعرفون تماما أنهم بلا أمل في مصر الحرة، وأنهم مجرد نباتات متسلقة لا تنمو إلا برعاية نظام حكم قمعي استبدادي؟.. هل لأنهم يعلمون أن إتاحة الحرية للتيارات الإسلامية ستجعل كل أكاذيب العلمانيين عنهم تتساقط كالذباب؟
لقد مضى عهد الاستبداد وصار من المستحيل العودة إلى الوراء.. فإما أن يثبت العلمانيون عمليا كل الشعارات الرنانة التي طالما تشدقوا بها عن الحرية والديمقراطية والانتماء للوطن والنهضة الاقتصادية والعلمية، وإما أن يحجزوا أماكنهم مقدما في مزبلة التاريخ، وفيها دائما متسع لجميع الفاشلين والطفيليين والمفسدين، وتقول هل من مزيد!
ملحوظة:
الوضع مختلف قليلا بالنسبة للسلفيين، فحماسهم أعلى وخبرتهم السياسية أقل، وهم ليسوا تنظيما ولا توجد لهم قيادة موحدة أو حصر شامل لأفرادهم.. وهم يظنون أن أعدادهم أكبر من الإخوان، ورغم أن هذا صحيح، فهم لا يدركون أن أي فصيل لا يمكن أن يكتسح الانتخابات بأصوات أفراده وحدها مهما كان حجمه، وإنما بأصوات عامة المصريين المتعاطفين معه والواثقين به، فهم الأغلبية العظمى.. والواضح أن الإخوان يحظون بثقة وتعاطف قطاع كبير من الشعب المصري، ربما بسبب تاريخهم الطويل في النضال منذ عام 1928، وهو ما يجعلهم يحققون 50% من الأصوات في استطلاعات الرأي، بينما السلفيون يحصلون على 25% من الأصوات.. مع أني أظن أن كلا الفريقين لا يملكان عددا كافيا من المرشحين المؤهلين لمواكبة هذه النسب المرتفعة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.