رقصة الغراب الذبيح لتعطيل الانتخابات!
ما يحدث الآن هو رقصة الغراب الذبيح الأخيرة التي يحاول بها تعطيل الانتخابات.
بصراحة لقد مللت الكلام.. المسلسل يتكرر بنفس حذافيره منذ مسرح البالون، ثم العباسية ثم السفارة ثم ماسبيرو.. وللأسف الشباب لا يتعلمون.
ولا حتى الإسلاميون يتعلمون.. ألقى إليهم المجلس العسكري باستفزاز وثيقة السلمي فهرعوا إلى الميدان، وكان يكفيهم إعلان رفض الوثيقة وعدم التوقيع عليها، ولو حصلوا على أغلبية البرلمان، فسيضعون أصابعهم في عين أتخن تخين في البلد، بقوة التأييد الشعبي!
بصراحة: لم أعد أثق في قدرة الإسلاميين على إدارة هذه اللعبة فهم لم يتعلموا قواعدها بعد، رغم كل ما لاقوه من تعذيب واضطهاد وخداع في السنوات الماضية!
هل يعقل أن تحشد أتباعك إلى مليونية قبل عشرة أيام فقط من الانتخابات، التي ظللت تنتظرها لعشرة أشهر، بل لستين عاما؟!!
وماذا يفعل حازم صلاح أبو إسماعيل في وسط هذه الفوضى؟.. ألم يقسّم الإسلاميين إلى قسمين باعتصامه في الميدان، رغم أن القيادات السلفية أصدرت بيانات تدعو فيها أتباعها للابتعاد عن هذه الفتنة؟.. وهل يصلح فعلا ليكون رئيسا لدولة، بمثل هذه التصرفات غير المدروسة؟
لمثل هذه السذاجة من جميع الأطراف، أنا أقول منذ أكثر من ستة أشهر: لن يكتب الدستور ولن تجري الانتخابات.. الكل يتم التلاعب بهم وهم لا يتعلمون أبدا.
من الواضح أن انتخابات تونس أشعلت جرس الإنذار المبكر هنا، فاكتساح الإسلاميين للانتخابات المصرية بات مؤكدا بإنّ وقد، وهذا لا يرضي جميع الأطراف المستفيدة من حكم مبارك:
- بدءا بمبارك وولديه وعصابتهم وحزبهم المخلوع وفلولهم، ولصوص أعمالهم.
- مرورا بالعلمانيين المسيطرين على الإعلام والثقافة والتعليم وإدارات الدولة، وفَجَرَتِهم الذين يديرون شبكة الدعارة السياحية والسينمائية ويعملون بها، وعملائهم الذين يتلقون تمويلا خارجيا ويلعبون لعبة المعارضة ضد أي نظام حكم قائم وهم في الحقيقة جزء منه، وملحديهم وكفرتهم المعادين للإسلام والعروبة.
- مرورا بالشرطة وأمن الدولة (تحت أي مسمى كان)، والمخابرات والجيش (فتش عن عمر سليمان وأحمد شفيق)، وكل أجهزة الدولة التي تخشى التطهير ومحاكمة كل قياداتها على السرقة والفساد والتعذيب والقتل، فهم بمنتهى الوضوح كانوا أذرع مبارك الباطشة، وشركاء في كل جرائمه.
- وصولا إلى أطراف خارجية عديدة كأمريكا وأوروبا وإسرائيل، المفزوعة من سيطرة الإسلاميين على الحكم وتغيير وجهة مصر الخارجية، وإحيائها لدور العرب والمسلمين في قيادة العالم، مما يؤدي إلى خسارة كل مصالحهم في المنطقة.
- ووصولا أيضا إلى الدول العربية المرعوبة من نجاح النموذج المصري، الذي سيغري شعوبها بالثورة بكل تأكيد، ويهمها إظهار الثورة أمام شعوبها كمصدر للفتنة والفوضى والدمار والقتل!
وطبعا كل هذه الأطراف الكثيرة والمتداخلة، تنسق معا في معظم الأحيان، وتلعب فيما بينها بالشباب الساذج المتحمس، الذين يدفعونهم ليموتوا أثناء تخريبهم للبلد وبث الفوضى.. وإلا فليخبرني أحد عن سبب هجوم هؤلاء المجرمين على أقسام الشرطة في محافظات بعيدة لم يكن فيها أي اشتباكات، إلا إن كان الأمر مدبرا لإشعال الفوضى ومنع الانتخابات؟
كما أن هذه القوى الظلامية المتآمرة تلقي بين الحين والآخر طعما للإسلاميين ترهيبا وترغيبا، فلا يجدون أمامهم في كل مرة إلا التقامه، لأن الحسابات ملعوبة بذكاء ليكونوا خاسرين في كلتا الحالتين: فإن قبلوا مثلا بوثيقة السلمي يصير انتصارهم في الانتخابات كعدمه، وإن نزلوا إلى المليونية شاركوا في صنع الفوضى التي تمنع الانتخابات.. هذا تخطيط أبالسة.. وكما قلت: الحل الوحيد كان إعلان رفض الوثيقة وعدم التوقيع عليها، وأخذ الشرعية الشعبية من الانتخابات، وفرض كل ما يريدون من خلال هذه الشرعية.
أما ما يحدث الآن، فهو يدفع إلى نتائج كلها خسائر، فنبرة التحريض على الجيش الآن مخيفة على الفيسبوك وفي الفضائيات، وللأسف انضم إليها حتى الإسلاميون، والكل يستخدم من سقطوا قتلى كذريعة للتحريض، وهي نفس أساليب تحييد القوى الأمنية التي تستخدمها الحركات الممولة خارجيا وتدربت عليها في صربيا.. أخشى إن استمر هذا المنحنى التصاعدي، أن يحدث أحد أمرين:
فإما أن يتم تدمير الجيش، وبالتالي ستتفتت مصر وتقتتل الأحزاب والجماعات بدون حَكَم يفصل بينها، ليثبت كل منهم سطوته على الأرض، وطبعا التمويل الأجنبي موجود، والسلاح ما أسهل الحصول عليه الآن من ليبيا والسودان وغزة وإسرائيل، إضافة إلى سلاح الجيش المصري المدمر الذي سيباع في السوق السوداء ساعتها!!!.. هذه صومال جديدة ستكون خسائرها عشرات الملايين من البشر.
وإما أن يعلن الجيش الأحكام العرفية وحظر التجول ويعيد دباباته إلى الشوارع، ويطلق النار مباشرة على من يخرق حظر التجول لأي سبب، ووداعا للانتخابات والدستور والثورة وكل هذه الأوهام.
ولتجنب هذين الاحتمالين المخيفين، لا يبقى إلا الحل السلمي البسيط، وهو تهدئة الأوضاع وإجراء انتخابات تعطي الشرعية لممثلي الشعب، ليقفوا أمام الجيش والحكومة والفلول بثقة وقوة.. فهل صبر أسبوع على هذا كان كثيرا؟.. أم أن كل هذا مدبر عمدا كما أوضحت؟
مرة أخرى أرجو ألا يظن أحد أن هناك فريقين أو ثلاثة تغذي الفوضى الآن في الشارع (جيش وشرطة ضد شباب هائج وبينهما فلول وبلطجية)، فالحقيقة أن قيادات هذه الفرق الثلاث بينها تحالف استراتيجي ووحدة هدف وتعمل بتنسيق كامل، تدعمها آلتها الإعلامية العلمانية الضخمة محترفة الكذب والتحريض والتشويه!
والله أعلم إلى أين ستتجه مصر، إن لم يبعد كل منا نفسه عن المشاركة في هذه الفوضى، ويوعِّ كل من يعرفه ليبعده عنها.