المتابعون للمدونة

الاثنين، 7 مارس 2011

تحرير المرأة الأمريكيّة

تحرير المرأة الأمريكيّة

أدّى تغيّبُ مئاتِ الآلافِ من الجنودِ أثناءَ الحربِ العالميّةِ الثانيةِ إلى خروجِ ملايينِ النساءِ الأمريكيّاتِ إلى العمل، حتّى وصلْنَ في قوّةِ العملِ إلى امرأةٍ مقابلَ كلِّ ثلاثةِ رجال.
وبعدَ الحربِ بدأتْ موجةٌ من عودةِ النساءِ إلى بيوتِهنّ، ممّا ساءَ من يدعونَ إلى ما يُسمّى بتحرّرِ المرأةِ، مثلَ الروائيّةِ (فاني هيرست) التي اعتقدتْ أنّها شهدتْ تطوّرًا يدعو إلى الأسى وكتبتْ تقول: "ثمّةَ مرضٌ من أمراضِ النّومِ يجتاحُ نساءَ (أمريكا).. إنّهنَّ ينكصنَ إلى ما يُعرفُ باسمِ البيت!".. وكانَ دورُ الزوجةِ والأمِّ يبدو بدائيًّا لكثيرٍ من نساءِ ذلك الوقت.. ولكنَّ الإحباطَ كانَ في انتظارِ النساءِ اللاتي فضّلْنَ الاستمرارَ في العمل، فبعدَ أنْ كانتِ المصانعُ الحربيّةُ تدفعُ أجورًا متساويةً للرجالِ والنساءِ أيّامَ الحرب، صارَت أجورُ النساءِ أقلَّ من أجورِ الرجال، بالإضافةِ إلى ضآلةِ فرصِ ترقيتِهنّ، كما لمْ يكُنْ باستطاعتِهنَّ الانضمامُ إلى الاتّحاداتِ العُمّاليّة.

الحركاتُ النسائيّة:
وخلالَ الستيناتِ انتعشتْ من جديدٍ حركةُ المساواةِ بينَ الرجلِ والمرأة، والتي ظلّتْ خاملةً منذُ العشرينات، فقد كانَ وضعُ المرأةِ آخذًا في التدهورِ منذُ ذلك الحين.. فمثلا: كانتْ نسبةُ النساءِ اللائي التحقنَ بالجامعةِ في الستيناتِ أقلَّ منها في العشرينات، كما أنَّ النساءَ كن يتقاضينَ مرتباتٍ أقلَّ من الرجالِ المساوينَ لهنَّ في التدريبِ والخبرة.. وقد أظهرتِ الدراساتُ أنَّ البطالةَ والفقرَ كانا منتشرينِ بينَ النساءِ وبخاصّةٍ السوداواتُ منهنّ.. وكانَ القانونُ يُفرّقُ بينَ النساءِ والرجالِ في العديدِ من الولاياتِ الأمريكيّة، فقد كُنَّ ممنوعاتٍ من الاشتراكِ في هيئاتِ المُحلَّفين، ومن الدخولِ في تعاقداتٍ قانونيّةٍ أو امتلاكِ بطاقاتٍ ائتمانيّةٍ بأسمائهنّ، بل كنَّ في أحيانٍ أخرى ممنوعاتٍ من الاحتفاظِ بأيّةِ ملكيّةٍ على الإطلاق.
وفي عامِ 1966 أسّستِ الكاتبةُ (بيتي فريدان) مع أخرياتٍ المنظّمةَ الوطنيّةَ للنساء، حيثُ لجأتْ هذه المنظّمةُ إلى المحاكمِ للتخلّصِ من العوائقِ القانونيّةِ التي تقفُ حائلا في طريقِ المساواةِ بينَ الرجلِ والمرأة، مستغلّةً صدورَ قانونِ الحقوقِ المدنيّةِ عامَ 1964 الذي حظرَ التفرقةَ العنصريّةَ في الوظائفِ على أساسِ الجنسِ أو اللون.. وقد تزايدتْ أعدادُ النساءِ اللاتي التحقنَ بالجامعة، كما تزايدَ عددُ من عملنَ بوظائفَ كانتْ مقصورةً بشكلٍ تقليديٍّ على الرجال، مثلِ الطبِّ والمحاماةِ والشرطة!
ورغمَ ذلك أظهرَ تعدادُ 1970 أنَّ متوسّطَ ما تحصلُ عليه النساءُ العاملاتُ في المصانعِ يبلغُ 3634 دولارًا مقابلَ 6737 دولارًا للرجال.. وكانَ راتبُ المرأةِ جامعيّةِ التعليمِ يُساوي راتبَ الرجلِ الذي أتمَّ الصفَّ الثامنَ من التعليم.. ولقد مارستِ التنظيماتُ النسائيّةُ ضغوطَها لإقامةِ مراكزَ لرعايةِ الأطفالِ طوالَ اليومِ بالمجّانِ، يجري تمويلُها من الأموالِ العامّة، ولكنَّ (نيكسون) استخدمَ الفيتو عامَ 1971 ضدَّ مشروعِ قانونٍ كانَ يرمي إلى وضعِ نظامٍ قوميٍّ لمراكزِ رعايةِ الأطفالِ طوالَ اليوم، وقالَ إنَّ هذا النظامَ سيؤثّرُ بشكلٍ معاكسٍ على التقاربِ الأسريّ، الذي يُعدُّ حجرَ الزاويةِ في الحضارةِ الأمريكيّة!

حريّةُ المرأةِ بإجبارِ الرجل:
خلالَ السبعيناتِ بدأتِ الحكومةُ الأمريكيّةُ برنامجَ العملِ الإيجابيّ، بحيثُ يتعيّنُ على الشركاتِ التي تسعى للحصولِ على عقودٍ لتنفيذِ أعمالِ الحكومةِ، والشركاتِ التي مارستِ التمييزَ في الماضي، أن تُلغيَ التمييزَ ضدَّ الموظّفينَ السودِ أو النساء، وأن تعملَ على تشغيلِهم وترقيتِهم.. وكانَ لكلِّ مؤسّسةٍ طريقتُها في تنفيذِ ذلك، فمثلا: خفّضتْ إحدى الشركاتِ المنحَ الخاصّةَ بالمديرينَ الذينَ لا يقومونَ بتشغيلِ أو ترقيةِ عددٍ كافٍ من النساءِ أو من جماعاتِ الأقليّات.
وقد رأى نقّادُ برنامجِ العملِ الإيجابيِّ أنّه يرقى إلى مستوى التمييزِ ضدَّ البيضِ والرجال، فهو ليسَ سوى تمييزٍ معكوس!.. كما ندّدَ الكثيرُ من رجالِ الأعمالِ بما يتضمّنُه البرنامجُ من روتينٍ حكوميّ.. كما هاجمَه الكثيرُ من أعضاءِ النقاباتِ الذينَ كانوا يرغبونَ في أن تقتصرَ الترقياتُ على الأقدميّةِ فقط، ورأى بعضُ السودِ والسيداتِ أنَّ برنامجَ العملِ الإيجابيِّ هو إهانةٌ لهم، لأنّه يعني في مضمونِه، أنّهم غيرُ قادرينَ على الإنجازِ وحْدَهم!

حريّةُ المرأةِ بأمرِ القانون:
في عامِ 1972، وافقَ الكونجرس على تعديلِ الدستورِ، لإزالةِ كافّةِ أشكالِ التمييزِ ضدَّ المرأة، وليمنعَ أيّةَ ولايةٍ أمريكيّةٍ من إنكارِ الحقوقِ القانونيّةِ على أساسِ الجنس، وعندَ تقديمِه إلى الولاياتِ لإقرارِه، أقرّتْه 34 ولايةً خلالَ 3 سنوات، وكانَ الحدُّ الأدنى لإقرارِه يتطلّبُ موافقة 38 ولاية.. وقد حدّدَ الكونجرس موعدًا نهائيًّا لإقرارِ هذا التعديلِ لا يتعدّى سبعَ سنوات.. ولكنْ مع اقترابِ الموعدِ النهائيِّ كانتْ 35 ولايةً فقط قد أقرّتْه، لهذا أقنعَ مؤيّدو التعديلِ الكونجرسَ في عامِ 1978 بمدِّ المهلةِ النهائيّةِ حتّى عامِ 1982!
وكانتْ هناكَ نساءٌ ـ مثلُ الكاتبةِ (فيليس سكلافي) ـ رأينَ في هذا التعديلِ تهديدًا لنظامٍ الأسرةِ التقليديّة، وللفروقِ التاريخيّةِ في دورِ الرجلِ والمرأة.. وندّدتِ (سكلافي) بمؤيّداتِ التعديلِ الخاصِّ بالمساواةِ في الحقوق، بوصِفهنَّ حفنةً من نساءٍ يشعُرنَ بالمرارة، ويسعَيْنَ وراءَ علاجٍ دستوريٍّ لمشاكلهنَّ الخاصّة.. وشكّلتِ (سكلافي) جماعةً أسمتْها "وقف التعديل"، والتي عمِلَتْ إلى جانبِ جماعاتٍ أخرى لوقفِ إصدارِ هذا التعديل.
وقد سقطَ التعديلُ الخاصُّ بالحقوقِ المتساويةِ بينَ الرجلِ والمرأة، بعدَ أنْ مرَّ الموعدُ النهائيُّ للتصديقِ عليه عامَ 1982، ولم يُصدّقْ عليه سوى عددٍ محدودٍ جدًّا من الولايات!

دسُّ النساءِ في المناصبِ الحسّاسة:
وعدَ (ريجان) خلالَ حملتِه الانتخابيّةِ عامَ 1980 بتعيينِ امرأةٍ في المحكمةِ العليا، وقد برَّ بوعدِه، فعندما تقاعدَ القاضي (بوتر ستيوارت) عامَ 1981، اختارَ الرئيسُ (ساندرا داي أوكونور)، وهي قاضيةٌ في محكمةِ الاستئنافِ بـ (آريزونا) لتحلَّ محلَّه، ولتصيرَ أوّلَ امرأةٍ تعملُ في المحكمةِ العليا.. ومن الجديرِ بالذكرِ أنَّ المحكمةَ العليا هي قمّةُ النظامِ القضائيِّ الأمريكيّ، ولها القولُ الفصلُ في تفسيرِ القوانينِ والدستور، وأنَّ (أوكونور) كانتْ تقفُ في الغالبِ إلى جانبِ قضايا المرأة!
ولكنَّ إدارةَ (ريجان) على الجانبِ الآخرِ، قامتْ بتخفيضِ البرامجِ الفيدراليّةِ المُخصّصةِ للحقوقِ المدنيّةِ وبرنامجِ العملِ الإيجابيّ.. وقد أيّدتِ المحكمةُ العليا وجهةَ نظرِ الإدارةِ في بعضِ الأحيان، كما رفضتْها في أحيانٍ أخرى، واستمرّتْ في مساندةِ برامجِ العملِ الإيجابيِّ في بعضِ القضايا!

التغيّرُ الأخلاقيّ:
في عامِ 1960 بدأَ تسويقُ اختراعٍ جديدٍ أثارَ جدلا كبيرًا: ألا وهو حبوبُ منعِ الحمل، التي أقبلَ على استخدامِها عديدٌ من نساءِ أمريكا ممن يرغبْنَ في التّحكّمِ في موعدِ إنجابهنّ.. وذكرَ المعارضونَ أنَّ الحبوبَ سوفَ تؤدّى إلى التفريطِ في الأخلاقِ، وإلى سهولةِ انحرافِ المرأةِ إلى إقامةِ العلاقاتِ المحرّمةِ، ما دامتْ لا تخشى من الإنجاب.
وفي عامِ 1973 صدرَ حكمٌ دستوريٌّ يعطي للمرأةِ حقَّ الإجهاضِ عندما تريد، بحجّةِ أنَّ للمرأةِ الحرّيّةَ الكاملةَ في التّحكّمِ في جسدِها، وذلك رغمَ المعارضةِ التي لاقاها مثلُ هذا الأمرِ غيرِ الإنسانيّ.. (سؤال: أليس للمخلوق الموجود في رحمها حق في الحياة، ويعد قتله جريمة؟.. أليس هذا نوعا من الوأد العصري؟!)

ارتفاعُ معدّلاتِ الطلاقِ، والتغيّرُ في العائلةِ الأمريكيّة:
في عامِ 1977، تزوّجَ نحوُ 2.1 مليون أمريكيٍّ وأمريكيّةٍ، بينما افترقَ بالطلاقِ أكثرُ من نصفِ هذا العدد، أي حوالَيْ 1.1 مليون أمريكيٍّ وأمريكيّة!
كانتْ معدلاتُ الطلاقِ قد تضاعفتْ منذُ عامِ 1965، وبلغتْ خمسةَ أضعافِ ما كانتْ عليه في عامِ 1910.. وقد تزوّجَ معظمُ المطلّقينَ مرّةً أخرى خلالَ ثلاثةِ أعوام، ولكنَّ معظمَ هذه الزيجاتِ باءتْ مرّةً أخرى بالطلاق!
ومن التفسيراتِ العديدةِ التي قدّمها المراقبونَ لذلك:
أنَّ قوانينَ الطلاقِ قد خفّتْ شدّتُها.
- أنَّ الاتّجاهَ المتزايدَ لدى النساءِ للحصولِ على وظائفَ قد أعطاهنَّ قدرًا أكبرَ من الاستقلاليّة، وفرصًا أفضلَ للاعتمادِ على أنفسِهنّ، (وحظًا أوفرَ من التعاسة!!!!).
- أنَّ المُطلّقينَ والمطلّقاتِ صاروا يُواجهونَ قدرًا أقلَّ من التحاملِ الاجتماعيِّ الذي كانوا يواجهونَه في الماضي.. بل إنَّ النّاخبينَ الأمريكيّينَ في عامِ 1980 قد اختاروا وللمرّةِ الأولى مرشّحًا مطلّقًا لمنصبِ الرئاسة.
- أنَّ الأفرادَ أصبحوا أكثرَ تمركزًا في الذّات، وأقلَّ مراعاةً لرغباتِ واحتياجاتِ الطرفِ الآخر.. (كانتْ فترةُ السبعيناتِ تُسمّى عقدَ الأنا!).
وكانَ من نتائجِ المعدلاتِ العاليةِ للطلاقِ أنَّ الكثيرَ من الآباءِ كانوا يربّونَ أطفالَهم بمفردِهم، وكانتْ النساءُ تفوزُ بحضانةِ الأطفالِ في تسعِ حالاتٍ من كلِّ عشرِ حالات.. ولم يكُنْ من السهلِ على أحدِ الأبوينِ أن يربّيَ الأطفالَ بمفردِه، في حينِ أنّه منشغلٌ بوظيفتِه، حتّى ولو كانتْ لساعاتٍ محدودة.. وكانتِ العائلاتُ التي تضمُّ واحدًا فقط من الأبوينِ تعيشُ غالبًا في مستوى الفقرِ أو دونَ هذا المستوى.
وفي عامِ 1977 بلغتْ نسبةُ المواليدِ لنساءٍ غيرِ متزوّجاتٍ 15.5%  من إجماليِّ المواليد، وهي تقريبًا ثلاثةُ أضعافِ معدّلِ عامِ 1960 (لاحظ أنَّ هذه النسبةَ العاليةَ تُعتبرُ ضئيلةً جدًّا، فاختراعُ حبوبِ منعِ الحملِ في الستينياتِ قد جعلَ عددَ الأطفالِ غيرِ الشرعيينَ مؤشرًا باهتًا وأقلَّ بكثيرٍ من الحقيقة!)، بينما كانَ أكثرُ من نصفِ إجماليِّ عددِ الأطفالِ السّودِ يُولدونَ لنساءٍ بلا زواج!
ولكنَّ معدّلاتِ الولادةِ غيرِ الشرعيّةِ كانتْ ترتفعُ بينَ النساءِ البيضِ بشكلٍ أسرعَ منها بينَ النساءِ السّود، وكانَ نحوُ نصفِ الأمّهاتِ غيرِ المتزوّجاتِ من الفتياتِ المراهقات.
وقد أوضحتِ الإحصاءاتُ ارتفاعًا حادًّا في عددِ الرجالِ والنساءِ الذينَ يعيشونَ معًا بدونِ زواج، وكانَ 25% منهم لديهم أبناء.. وكانَ البعضُ يقول: إنّه شيءٌ طيّبٌ أن يكونَ للنساءِ وسيلةٌ لإنهاءِ العَلاقةِ إذا أساءَ الرجالُ معاملتَهنّ، ففي الماضي كانَ الكثيرُ من النساءِ يتحمّلنَ وحشيّةَ الأزواجِ في صمت، بسببِ الضّغوطِ الاجتماعيّةِ والدينيّةِ الرافضةِ للطلاق!.. ولكنَّ آخرينَ تساءلوا: في حالةِ الانفصالِ، من الذي يرعى الأطفالَ التي تنشأُ من مثلِ هذه العَلاقات؟.. وهل للمرأةِ في هذه الحالةِ أيُّ حقوقٍ قانونيّةٍ أو اجتماعيّة؟.. بينما قالَ الكثيرونَ إنَّ القيمَ العائليّةَ التقليديّةَ تتداعى، ودعَوا إلى العودةِ إلى القواعدِ الأخلاقيّةِ الصارمةِ، ولتربيةٍ دينيّةٍ أشدّ.

للأذكياءِ فقط:
لعلّكَ لاحظتَ أنَّ المساواةَ قد فرضتْ فرضًا على الشركاتِ والولاياتِ الأمريكيّة.. ليسَ هذا فحسب، بل إنَّ هذا التخريفَ يُفرضُ سياسيًّا على الدولِ الناميةِ، من خلالِ مؤتمراتِ المرأةِ ومؤتمراتِ السّكان، وتسعى (أمريكا) كذلك للعبثِ في قوانينِ الأحوالِ الشخصيّةِ في دولِ العالمِ، لتمنعَ تعدّدَ الزوجات، وتُصعّبَ الطلاقَ على الزوج، وتجعله حقًّا اختياريًّا للمرأة!
ولقد وقّعتْ (مصرُ) على اتّفاقيّةِ إزالةِ كافّةِ أشكالِ التمييزِ ضدَّ المرأةِ في 16/7/1980، وصادقتْ عليها في 18/9/1981.. (تذكّرْ أنَّ الكونجرس الأمريكيّ رفضَ هذا القانونَ عامَ 1982.. هل يعني لك هذا شيئًا؟؟؟!!!).
صحيحٌ أنَّ (مصرَ) قد تحفّظتْ على الموادِّ الخاصّةِ بإلزامِ الدولِ اتّخاذَ إجراءاتٍ ملموسةٍ للقضاءِ على التمييزِ ضدَّ المرأة، خاصّةً في مختلفِ الأمورِ المتعلّقةِ بالزواجِ والعلاقاتِ الأسريّة، والموادِّ الخاصّةِ بأنْ تمنحَ الدّولُ المرأةَ حقًّا مُساويًا لحقِّ الرجلِ فيما يتعلّقُ بجنسيّةِ أطفالِها ، والموادِّ الخاصّةِ بالتّحكيمِ بينَ الدولِ الأطراف.. هذا صحيح، ولكنَّ هذه التّحفّظاتِ تتمُّ مناقشتُها الآنَ في (مصرَ) من قبلِ اللجنةِ التشريعيّةِ ولجنةِ العلاقاتِ الخارجيّةِ لإقرارِ التّصوّرِ النهائيِّ لها، في السنوات الأخيرة تم بالفعل إقرار منح الجنسية لأبناء المرأة المصرية!
ومن الجديرِ بالذكرِ أنَّ الأممَ المتحدةَ قد صدقتْ على قانونِ منعِ التمييزِ ضدَّ المرأةِ في بدايةِ التسعينات.. وليس غريبًا أن يوافقَ الشعبُ الأمريكيُّ ـ بل والعالمُ أجمعُ ـ على ما رفضَه من عشرينَ عاما، لأنّها فترةٌ كافيةٌ جدًّا لإنشاءِ جيلٍ جديدٍ تم غسيلُ مخِّه إعلاميًّا، وتربيتُه على المفاهيمِ الجديدةِ، حتّى لو كان آباؤه قد رفضوها!!
ومن يدري ماذا يُخبّئُه الغدُ القريب؟؟!!!!
هل سيستمرُّ حقُّ الرجلِ الشرعيُّ في تعدّدِ الزوجاتِ حقًّا قانونيًّا؟.. أم ستكتسبُ المرأةُ حقَّ تعدّدِ الأزواج؟
هل سيستمرُّ حقُّ الرجلِ الشرعيُّ في تطليقِ زوجتِه متى شاءَ حقًّا قانونيًّا؟.. أم ستكتسبُ المرأةُ حقَّ تطليقِ الزوجِ في أيِّ وقتٍ تشاء؟ (هذا إن لم يَكُنْ قانونُ الخلعِ قد حقّقَ هذا!!)
هل سيقتسمُ الزوجانِ عندَ الطلاقِ ممتلكاتِهما على الطريقةِ الأمريكيّة؟
هل ستتساوى المرأةُ في الميراثِ مع الرجل؟
هل سيكونُ من حقِّ الرجلِ أن يتزوّجَ الرجل، ومن حقِّ المرأةِ أن تتزوّجَ المرأة؟
هل سيزدادُ دسُّ المرأةِ في المناصبِ التي لا تُلائمُها لإرضاءِ سادتِنا الغرب؟؟ (تم زجها في القضاء الإدار بالفعل، وكان النظام البائد يسعى لتعيينها ي القضاء)
هل ستحكمنا امرأةٌ يحرّكُها الرجالُ من وراءِ الأستار؟
من يدري!!
يا ضيعةَ الضّعفاءِ في زمنِ الأفكارِ الأمريكيّة، المدجّجةِ بالمنحِ والمعوناتِ والقروضِ وصفقاتِ الأسلحة، وإرهابِ القوّة!!

من المستفيد؟
هل المرأةُ حقًّا كالرجل؟
فلنفترضْ أنَّ امرأةً تمتلكَ شركةً كبرى، وتقدّمَ للعملِ لديها لمنصبٍ هامٍّ رجلٌ وامرأةٌ بنفسِ المؤهّلات، ولم تكُنِ الوظيفةُ تتطلّبُ امرأةً عاريةً تثيرُ شهواتِ الرجال، ففي نظرِك من الذي ستختارُه مالكةُ الشركة؟.. الرجلُ الذي سيتفرّغُ تمامًا لوظيفتِه ويُخلصُ لها وتصيرُ محورَ حياتِه، أم المرأةُ التي تحتاجُ لإعدادِ إفطارِ أطفالِها وإلباسِهم والتزيّنِ قبلَ الذهابِ يوميًّا إلى العمل، وتتحمّلُ بجانبِ عملِها مسئوليّةَ المنزلِ بكلِّ مهامِّه من كنسٍ وغسلٍ وطبخ، حتّى ولو كانتْ لديها أحدثُ الأجهزةِ الكهربائيّة، وهي أكثرُ عصبيّةً من الرجل، خاصّةً أثناءَ الدورةِ الشهريّةِ، حيثُ تختلُّ فيها هرموناتُ جسدِها وتجعلُها في حالةٍ نفسيّةٍ غيرِ مستقرّة، ويُبيحُ لها القانونُ أخذَ إجازاتٍ للحملِ والولادةِ والرضاعةِ ورعايةِ الصغار، بل ويجبرُ الشركاتِ على إنشاءِ دورِ حضانةٍ لرعايةِ صغارِها؟!
هل من المعقولِ أن يختارَ مالكُ شركةٍ يبغي نجاحَ شركتِه امرأةً رغمَ كلَّ هذه العيوب، إلا إذا كانَ يريدُ الاستمتاعَ برؤيةِ جمالِها مثلا، أو استخدامَ جاذبيّتِها لاجتذابِ العملاء، أو كانَ أجرُها أرخصَ، أو كان هناكَ قانونٌ غبيٌّ مفروضٌ عليه؟
عامّةً ستجدُ أنَّ مكانَ المرأةِ في الشركاتِ الخاصّةِ يتركّزُ في وظائفِ السكرتاريةِ والعلاقاتِ العامّة في الغالب، وستجدُ أغلبَ العاملينَ فيها من الرجال.. هذا عندَنا.. أمّا في (أمريكا) فإنَّ صاحبَ العملِ يتعرّضُ لمساءلةِ القضاءِ إذا ميّزَ في الوظائفِ والترقياتِ بينَ السودِ والبيضِ أو المرأةِ والرجل.. هل رأيتم مثلَ هذا التقدّمِ الحضاريّ؟!!
إنَّ الإحصائيّاتِ في (أمريكا) تؤكّدُ أنَّ النسبةَ الغالبةَ من النساءِ تفضّلُ أنَّ يرأسَهنَّ رجلٌ لا امرأة، لأنَّ الرجلَ أكثرُ مرونةً واتزانًا من المرأة، التي تكونُ أكثرَ تشدّدًا وقسوةً في معاملةِ مرءوسيها، وتتردّدُ طويلا قبلَ أخذِ القراراتِ خُشيةَ أن تُخطأَ أو تتساهلَ فيُنسبَ خطؤها وتساهلُها إلى كونِها امرأة!
لقد أهانتِ النساءُ أنفسهنَّ حينما اعتبرنَ أنَّ الرجلَ هو المخلوقُ الأسمى في الحياة، وأنَّ كلَّ ما يفعلُه هو الأجمل، وأنَّ دورَه في الحياةِ هو الأهمّ، فتنازلتْ المرأة عن صفاتِها المميّزةِ وانتحلتْ صفاتِ الرجل، وأهملتْ دورَها وزاحمتْه في دورِه، فصارتْ مخلوقًا مشوّهًا أدنى من الرجلِ وأدنى من المرأة، يستحقُّ منا كلَّ الشفقةِ والرثاء!

-------------
المصادر:
المعلومات الواردة في هذا المقال مستقاة من كتاب "تاريخُ الولاياتِ المتّحدةِ منذ 1945"، تأليف (دانيال ف.دافيز) و(نورمان لنجر)، ترجمة (عبد العليم إبراهيم الأبيض)، الصادرِ عن " الدار الدولية للنشرِ والتوزيع"، إضافة إلى بعض المقالات من الصحف المصرية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

صفحة الشاعر