كفاءة الأداء: التعديل الدستوري على قدر الحاجة السياسية
العائشون في الوهم، يريدون شل مصر إلى حين وضع دستور جديد أولا، وعجز خيالهم عن تصور كم الصراعات والشقاقات التي ستحدث عند صياغة دستور جديد كامل، رغم أنهم يرون بأم أعينهم حجم الجدل واللغط الحاليين بسبب تعديل 9 مواد فقط، تدور كلها حول محورين اثنين لا أكثر: تقليص بعض سلطات الرئيس، وتنظيم العملية الانتخابية وضمان نزاهتها، وهما أمران طالما حلمنا بهما لستين عاما، وحينما صار الحلم حقيقية، بدأ البعض يستكبر ويطمع في المزيد.
إذن فلأخبركم بعينة مما سيحدث لو حاولنا صياغة دستور جديد كامل الآن:
- البعض سيرفض الدستور الجديد بسبب بقاء المادة الثانية والبعض سيرفضه بسبب حذفها.
- البعض سيرفض الدستور الجديد بسبب النظام الرئاسي والبعض سيرفضه بسبب النظام البرلماني.
- البعض سيرفض الدستور الجديد بسبب بقاء كوتة العمال والفلاحين والنساء، والبعض سيرفضه بسب حذفها.
وغير هذا الكثير من نقاط الخلاف الفكرية والدينية والأيدلوجية والفئوية والاجتماعية التي ستفجر صراعات عنيفة بين الأحزاب المختلفة.
هنا تتجلى عبقرية التعديلات الحالية التي طلبها الجيش المصري من اللجنة برئاسة المستشار المخضرم طارق البشري: حيث تم قصر التعديلات على مجموعة من المواد التي لا تتعلق بالأيدلوجيات الدينية أو الفكرية أو المنظومة الاجتماعية أو الفئوية، بل تتعلق فقط بالإصلاحات اللازمة لإعادة بناء مؤسسات الدولة التشريعية والرئاسية من جديد، بطريقة تحقق مطالب الثورة.. وتتجلى عبقرية هذا في أمرين:
1- ضمان عودة الحياة الطبيعية إلى مصر في أسرع وقت، بأقل تعديلات ممكنة وبدون إشعال مزيد من الفتن والصراعات.
2- إجراء التعديل على مرحلتين يضمن لنا الحصول على الحد الأدنى الضروري من التعديلات للانطلاق على طريق الحرية، مع تأجيل باقي التعديلات المرجوة إلى معركة صياغة دستور جديد.. فإن نجحت المعركة كان خيرا ونكون قد حققنا كل طموحاتنا.. أما إن فشلت المعركة وتم إجهاض مشروع الدستور الجديد بسبب الخلافات بين الأحزاب أو تم رفضه شعبيا لأي سبب، لا نكون قد خسرنا كل شيء، بل نكون غنمنا التعديلات الدستورية الأساسية.. وهذا تخطيط عبقري ومتعارف عليه في النظم الهندسية، حيث يتم تقسيم النظام إلى طبقات Layers، مما يجعل تصميمه وصيانته أبسط وأسهل وأرخص وكفاءته أعلى.. ولقد قسم الجيش عملية التحول إلى الديمقراطية إلى طبقتين بمنتهى البراعة: طبقة الأساس المشترك (التعديلات والانتخابات والمؤسسات) والطبقة النهائية (الدستور الجديد والنقاش المجتمعي الشامل).. ومن الحكمة أن ندرك أن الطبقة الثانية لا يمكن أن تبنى إلا بعد بناء الطبقة الأولى، فهما متراكبتان.
وعرفانا منا للجيش المصري، وتقديرا لدقته وكفاءته ورغبته في صالح الشعب والوطن وليس فئة معينة دون فئة، يجب أن نذهب جميعا يوم السبت القادم بإذن الله لنقول نعم في الاستفتاء.
نعم للاستقرار.. نعم لعودة المؤسسات.. نعم لأول انتخابات نزيهة في مصر.. نعم لأول رئيس منتخب في تاريخ مصر.
نعم للتعديلات.. وشكرا للجيش ولجنة التعديل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.