الوطنية كما يريدها لصوص الوطن
احبس أنفاسك، فسألقي اعترافا خطيرا قد يصدمك:
أنا أكره رأفت الهجان وجمعة الشوان!
فكلاهما ـ كما قدمه مسلسله ـ شخصية شهوانية فهلوية تلعب بالبيضة والحجر.. ومسلسل رأفت الهجان بالذات مسلسل يهدف إلى التطبيع مع إسرائيل، وليس فيه فلسطيني واحد ولا كلمة فلسطين أصلا، وأغرقنا مع شخصيات يهودية صهيونية مضحكة أو بائسة أو رومانسية، وحتى في السياسة دائما كانت سيرينا أهاروني تقول عن قادة إسرائيل إنها لا تدري ما الذي يريده هؤلاء الناس بالضبط، لترسخ لدينا فكرة أن الشعب الإسرائيلي قطيع من الحملان تحكمه ذئاب مسعورة هي المسئولة وحدها عما يحدث لنا، وكأن هذا الشعب لم يهاجر من أوروبا لقتل الأطفال والشيوخ والنساء وطردهم من أراضيهم وسرقة ممتلكاتهم!!
ناهيك عن مليار سيجارة + مليار كأس خمر + مليون قصة حب سخيفة ومملة وتافهة.. لا أظن إسرائيل كانت ستصنع المسلسل بأفضل من هذا لتدمير الشباب المصري!!
مسلسل رأفت الدخان (كما سماه بعض الصحفيين بسبب تدخين أكثر من ثلاثة سجائر في كل مشهد، وهو بالتأكيد سبب انتشار هذه العادة المميتة عند معظم من شاهدوه من الأطفال)، يقدم نموذج البطل القدوة كما يريده الطغاة الذين جثموا على صدور أوطاننا: لا دين.. لا قومية.. لا فلسطين.. فقط لص نصاب مدخن مخمور زاني يعمل من أجل الوطن.. هذا هو نموذج المواطن الصالح لديهم: الذي يبقيهم في كراسيهم!!
لقد شاهدت هذا المسلسل منذ بداية عرضه وعمري تقريبا 10 سنوات (منذ عشرين عاما)، وكنت منبهرا به، وقد أعدت مشاهدته بعدها بعشرين عاما وفوجئت بكم الاستغفال الذي تعرضت له!!!
وعموما، أنا أحتفظ بالمسلسل بعد أن حذفت نصفه كاملا!!!.. حشو ومماطلة وسفه واستخفاف مذهل بالعقول!
المصيبة أنك حينما تشاهد المسلسل متتابعا (أكثر من حلقة في اليوم) تشعر بمدى الملل والتكرار، والتركيز على سفاهاته الغرامية دون التركيز على أية قضية مصيرية حقيقية مثل جرائم اليهود ضد الفلسطينيين وضد مصر أيضا بعد النكسة.. لهذا أظنهم قسموا المسلسل إلى ثلاثة أجزاء، حتى لا ننتبه إلى المط والتطويل والإملال والتفاهة التي تملؤه.
يمكن القول إن النسخة التي لدي هي قصة المخابرات التي كتبها صالح مرسي بعد حذف السفاهات التلفزيونية والقرف الذي تم حشوها به!
وقد علق د. أحمد خالد توفيق ذات مرة على رأيي هذا قائلا:
"أوافقك كذلك على كراهية مسلسل رأفت الهجان الذي هو بدقة (نساء الهجان وعلاقاته الغرامية) دعك من أن القصة كلها تحوم حولها ظلال شك كما تعلم".
الأنكى من كل هذا، أن محمد حسنين هيكل في تجربة حياته على قناة الجزيرة، نفى تماما أن يكون لنا أي عميل مؤثر في إسرائيل قبل حرب أكتوبر، وقد كان أقرب المقربين لعبد الناصر والأجهزة السيادية الحساسة!!!
حتى إن صدقنا صحة قصتي رأفت الهجان وجمعة الشوان، فالقراءة الواعية للمسلسلين قد توصلنا إلى نتيجة مخيفة: فجمعة الشوان كان قريبا من شبكة تجسس تابعة لليهود سقطت في مصر وحامت حوله الشبهات، حتى إن أخاه أبلغ عنه كما يقول المسلسل.. ماذا لو أن ما حدث فعلا هو أنه كان على علاقة بهذه الشبكة وقادت التحريات إليه، فساومته المخابرات المصرية للعمل لصالحها مقابل العفو عنه؟
نفس الأمر بالنسبة لرأفت الهجان: نصاب عالمي ومزور ومجرم مطلوب للإنتربول، تساومه المخابرات المصرية للعمل لصالحها!.. فهل نستبعد أنه كان عميلا مزدوجا لإسرائيل كما ادعت، لو أنها كشفت أمره في أي لحظة خلال كل تلك السنوات التي عاشها بين براثنهم فساومته بدورها؟
المضحك في القصتين، هو وجود تضارب واضح حول قصة جهاز الإرسال المتطور الذي حصل عليه الشوان بعد حرب أكتوبر في مسلسله، وتم تسلميه للهجان قبل حرب أكتوبر في مسلسله!!
لكن دعونا من كل هذا، ولنفترض أن الاثنين مخلصين لمصر فعلا.. السؤال هو: هل يجوز أن نفرّط في شرف الرجال والنساء ونستخدم كل الوسائل القذرة بحجة حماية الوطن؟.. وما هو الوطن أصلا إن لم يكن المبادئ التي بني عليها؟.. وهل هناك فعلا شخص زان سكير لص على استعداد للموت في سبيل الوطن؟.. نحن نرى الشهداء في سبيل الله، وهم يبتغون الجنة من وراء هذا.. فماذا يبتغي السكير الزاني من موته في سبيل قطعة أرض، وهو أصلا يسعى خلف مباهج الحياة ولا يعمل لأخراه؟!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.