المتابعون للمدونة

الاثنين، 4 أبريل 2011

لماذا من الغباء تحصيل رسوم قناة السويس بالجنيه المصري؟

لماذا من الغباء تحصيل رسوم قناة السويس بالجنيه المصري؟

هناك إشاعة تتردد في مصر، سمعتها منذ أكثر من عشرين عاما، وما زلت أسمعها إلى اليوم، تقول إن مسئولا في هيئة قناة السويس اقترح على الحكومة أن تتقاضى رسوم مرور السفن بالجنيه المصري بدلا من الدولار، لأن هذا سيزيد من الطلب على الجنيه المصري، وبالتالي سترتفع قيمته بين العملات العالمية، مما يحسن الاقتصاد المصري.
وطبقا لمؤلف هذه الإشاعة، فإن الحكومة رفتت هذا المسئول من منصبه، ولم تأخذ بهذا الاقتراح.
ورغم أن هذه الإشاعة منتشرة في مصر بصورة عجيبة منذ سنوات طويلة، إلا أنني لم أسمع أحدا يردّ عليها، رغم أنها تصم الحكومة المصرية بالتخاذل أمام الغرب، وعدم استعدادها لفعل أي شيء لتحسين وضع مصر الاقتصادي حتى لا تدخل في صدام مع الدول الغربية، وأن أي شخص يريد الإصلاح ويقترح الحلول يكون مصيره الإقصاء!
الطريف في الأمر أن تكذيب هذه الإشاعة وشرح مدى الكارثة في تحويل دخل قناة السويس إلى الجنيه المصري، قد يكون من وجهة نظر الحكومة المصرية أسوأ من ترك الشعب يصدق هذه الشائعة.. وسيتضح لكم هذا فيما يلي.
حسن.. دعونا نرَ ماذا سيحدث لو تقاضينا رسوم القناة بالجنيه المصري، وافترضنا جدلا أنه أدى إلى ارتفاع سعر الجنيه فعلا:
1- ارتفاع سعر العملة لا يعني أي زيادة في دخل قناة السويس أو السياحة.. فقيمة الرسوم ستظل ثابتة بأي عملة كانت.. هذا معناه أن الدخل الحكومي لن يزيد.
2- الارتفاع المفاجئ لسعر العملة سيزيد القوة الشرائية للجنيه، وسيؤدي هذا إلى تسابق المصريين على شراء السلع الاستهلاكية والكماليات، مما سيؤدي إلى حالة تضخم وارتفاع سريع في جميع الأسعار، بسبب زيادة الطلب عن العرض!
3- ارتفاع قيمة الجنيه تشجع الاستيراد وتضعف التصدير.. أمريكا تضغط على الصين منذ سنوات لرفع قيمة عملتها لكن الصين ترفض بإصرار وإن تراجعت أما الضغوط فإنها تتراجع ببطء.. ولو افترضنا أن الجنيه المصري صار يساوي دولارا واحدا، فسيعني هذا رخص المنتجات المستوردة، مما سيؤدي إلى استيراد طوفان من الهواتف المحمولة والحواسيب والسيارات وباقي السلع الاستهلاكية، في مقابل نزيف السيولة المصرية إلى الخارج.. كما أن السلع المصنعة محليا ستكون أغلى من المستوردة بعدة أضعاف.. كل هذا سيؤدي إلى كارثة اقتصادية لا محالة!
4-  تضاعف قيمة الجنيه سيرهق ميزانية الحكومة، فهي لن تستطيع تقليل الرواتب بحجة ارتفاع قيمة الجنيه، وهو ما سيعني تضاعف النقود المطلوب من الحكومة دفعها كرواتب، دون حدوث أي زيادة مقابلة في موارد الدولة.. هذا سيؤدي لا محالة إلى اتجاه الحكومة إلى تقليل الدعم وزيادة الضرائب وتخفيض عدد من تعينهم في وظائفها، وهو ما سيؤدي أيضا إلى ارتفاع الأسعار وزيادة البطالة.. وهذا سيعيد القوة الشرائية للجنيه إلى ما كانت عليه، وربما أسوأ!
5- ما لا يفهمه البعض أن الحكومة المصرية هي التي تخفض سعر الجنيه عمدا، لتطبع المزيد من الأوراق لتوزيعها على البطالة المقنعة التي تعينها في وظائفها كل عام.. هذا يتيح للحكومة سرقة فارق العملة من جيوبنا جميعا، وتوزيعها على موظفين جدد لا ينتجون شيئا!!.. كل هذا ستفقده الحكومة لو ارتفع سعر الجنيه فجأة، وعجزت عن مواصلة هذه اللعبة.. وهو ما سيؤدي في النهاية إلى إفلاس الحكومة!
6- لكي يتم دفع رسوم القناة بالجنيه المصري، يجب أن يكون عملة عالمية متاحة في البنوك العالمية، ويتم تداوله في بورصات الأوراق المالية.. هذا سيجعل من السهل على أي جهة تدمير الاقتصاد المصري بالمضاربة بالجنيه، كما فعل الملياردير اليهودي جورج سورس بعملات دول شرق آسيا عام 1997، حين طرح كميات كبيرة منها للتداول في البورصة فجأة، فخسف بأسعارها الأرض، وأوقع النمور الآسيوية في أزمة اقتصادية ضخمة!
7- سيقل احتياطي الدولة من العملة الصعبة، وقد أسموها بالصعبة لأننا لا نستطيع الحصول عليها بسهولة لأننا لا ننتج شيئا ذا بال، ولا نصدر شيئا مقارنة بما نستورده، ونحن نحتاج إلى الدولار لنستورد به كل احتياجاتنا.. زيادة طلبنا للدولار ستضعف قيمة الجنيه أمامه وبالتالي سيحدث التوازن مرة أخرى أمام الزيادة المفترضة عند التعامل بالجنيه في قناة السويس، وبذلك نكون قد حققنا كل الكوارث السابق الحديث عنها بدون تحقيق أي مكسب!!

كل هذه الأسباب توضح لنا أن دفع رسوم قناة السويس بالجنيه المصري فكرة مدمرة، ولن تعود على مصر بأي نفع، وأنه لو صح فعلا أن الحكومة المصرية عزلت من اقترح هذه الفكرة الغبية عن منصبه، فهذا أقل ما يستحقه، لأنه غير كفء ولا يفهم شيئا في الاقتصاد!
أما لماذا لم تشرح الحكومة للشعب سبب خطأ هذه الفكرة، فأظنه صار واضحا الآن، فهو يكشف ألاعيب يغفل عنها معظم الشعب، ويجب أن يظلوا كذلك!
هنا يجب أن أشير إلى الحقائق التالية:
1-  يجب أن تتوقف الحكومة المصرية عن مسرحية الزيادة السنوية في الأجور التي تصاحبها زيادة في الأسعار والضرائب، وتصارح الناس بالحقيقة.. فالموظفون والعمال لا ينتجون شيئا حقيقيا، وليست هناك زيادة فعلية في دخل الدولة ومؤسساتها حتى يمكن زيادة الأجور كل عام دون حدوث تضخم!.. وأظن أن الجميع صاروا مدركين لهذه الحقيقة، حتى صاروا يكرهون زيادة المرتبات، لأن زيادة الأسعار تكون أعلى!!
2-   جميع حكومات العالم تتلاعب بالقيمة الاسمية لعملاتها الورقية، وهذه عملية سرقة مقنّعة مقننة يجب أن يوضح حد لها، وأنا مع من يطالبون بعودة استخدام الذهب والفضة والبلاتين والمعادن النفيسة كعملات، وإن كانت المعادن لا تكفي للتداول، فيجب جعلها مرجعا ثابتا لقيمة العملة.. بمعنى أننا سنحمل العملة الورقية منسوبة إلى ما يقابلها من وزن الذهب، وبالتالي كلما ارتفع سعر الذهب ترتفع قيمة العملة في المقابل، ويصير من الصعب تلاعب الحكومات بسعر العملة.
3-  الاقتصاد يقوم على الإنتاج الحقيقي (في الزراعة والصناعة والصيد والتعدين) وليس على الخدمات فقط (كالسياحة وقناة السويس) أو أسعار العملات.. لهذا لو قدم لكم أي شخص حلا لمشاكلنا لا يتضمن زيادة الرقعة الزراعية وإنشاء المدن الصناعية وتطوير البحث العلمي، فاعلموا مباشرة أنه حل وهمي.. فالحلول السهلة ليست حلولا، وإنما أحلام، ولو كان هناك حل سهل لمشاكل الدول لما كانت هناك دولة فقيرة أو ضعيفة!.. وأوضح مثال على هذا أسبانيا، التي كانت دولة عظمى في القرن السادس عشر، لكنها انشغلت عن تطوير نفسها، بتحويل الذهب من أمريكا بعد اكتشافها، باعتبار أن الذهب يشتري كل شيء، مما سمح لإنجلترا ببناء أسطول ضخم والسيطرة على البحر المتوسط ثم المحيط الأطلنطي وأمريكا ومعظم العالم، لتعلن عن نفسها كدولة عظمى لا تغيب عنها الشمس!.. إن إنجازات البشر وهمتهم هي التي تصنع الدول، وليس حجم الذهب ولا قيمة أوراق النقد!



هناك تعليقان (2):

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

صفحة الشاعر