الشهداء ليسوا هؤلاء فحسب
يضايقني جدا من يقصرون مصطلح الشهداء على من ماتوا في ثورة 25 يناير، فليس هؤلاء فقط هم كل من دفع ثمن إجرام مبارك.
لن أتكلم عن ضحايا العبّارات الغارقة، والطائرات الساقطة، والعمارات المنهارة، والقطارات المحترقة والمتصادمة، وحوادث الطرق، والإهمال في المستشفيات... إلخ.. فهؤلاء ماتوا في صمت واستكانة، ولم يقاتلوا في سبيل حريتهم كشهداء يناير.
ولكن يظل هناك آلاف ممن استشهدوا في المواجهات مع هذا النظام طوال الثلاثين عاما الماضية، فماتوا من التعذيب في السجون والمعتقلات وأقبية أمن الدولة، أو قتلهم الأمن المركزي ورجال الشرطة في المظاهرات، أو أثناء محاولة النظام تزوير الانتخابات.. وهؤلاء كان لهم دور كبير في إشعال الجذوة ونقل مشعل الثورة من جيل إلى جيل.
وأنا عن نفسي مدين لهؤلاء بكراهيتي لمبارك ونظامه.. ففي انتخابات مجلس الشعب عام 1990 ـ وكان عمري حينها 13 عاما، وكنت مجرد صبي غرير ما زلت أصدق كل أكاذيب إعلام مبارك ـ رأيت الأمن المركزي ينقض على بلدتي ليضرب الناس بدون أي سبب على الإطلاق، فلما تصدوا له ظنا منهم أنه يريد تزوير الانتخابات، أطلق عليهم الخرطوش والرصاص الحي، فمات البعض، وفقد العشرات أعينهم وأذرعهم وسيقانهم، وما زلت أقابل بعضهم إلى اليوم.
ذلك اليوم لا أنساه ما حييت، وقد مثّل لي صدمة هائلة دمرت كل قناعاتي وانتماءاتي، ومنذ ذلك اليوم انهار ولائي لمبارك ونظامه الفاجر وصرت ألعنه وأدعو عليه يوميا، لدرجة أني قفزت فرحا عندما علمت بمحاولة اغتياله في أديس أبابا، وحزنت جدا عندما علمت بنجاته من هذه المحاولة!!
وطوال تلك السنوات كان غباؤه واضحا لي في جلاء، وأيقنت أنه ساقط لا محالة، فقد كان يلعب لعبة خطرة للغاية، فيسمح بالانتخابات ويقتل الناس ليزورها.. أما كان الأولى به أن يلغيها فيريح ويستريح، بدلا من أن يصنع آلاف الأعداء كل يوم بنفس الطريقة التي صنع بها عداوتي له، حتى نجح في النهاية إلى دفع الشعب كله إلى كراهيته والثورة عليه؟!!
خلاصة ما أردت قوله: ليس من استشهد في يناير 2011 هم أول الشهداء من أجل الحرية، ويجب أن يتم عمل حصر شامل لكل من عذبهم أو قتلهم النظام السابق طوال الستين عاما الماضية (وليس الثلاثين فقط، فنظام مبارك جزء من نظام من سبقاه)، وتكريمهم بنفس درجة تكريم شهداء 25 يناير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.