المتابعون للمدونة

الجمعة، 15 يوليو 2011

السيادة لمن يمنحنا المعونات وليست للشعب!!

عفوا: السيادة لمن يمنحنا المعونات وليست للشعب!!

لا يقدر الكثيرون حجم الانهيار الذي وصلت إليه مصر، فنحن مدينون بترليون و200 مليار جنيه كما صرح بذلك وزير المالية، فوائدها سنويا تتجاوز 100 مليار جنيه، لهذا نحن دائما في حاجة ملحة لكل المعونات الممكنة.. كان هذا قبل الثورة، وزاد سوءا بعد الثورة بسبب الفوضى وتوقف السياحة وإضرابات عمال الشركات وانهيارات البورصة وهروب المستثمرين العرب والأجانب، وعودة المصريين من ليبيا، والنقود التي ستنفقها الشرطة لتعويض خسائرها من الأقسام والمعدات ومحاولة استعادة الأمن.
والكل يعلم أننا نأخذ معونات مالية وعسكرية من أمريكا وقروضا من صندوق النقد، إضافة إلى جولة التسول التي قام بها عصام شرف في الخليج وأوروبا!!.. من الطبيعي جدا بعد هذا أن نصرح أن أمن الخليج خط أخمر، ويقول وزير الخارجية الجديد إن السعودية هي الشقيقة الكبرى لمصر!! (ماذا تكون أمريكا إذن؟!!!)
ومن الطبيعي أيضا أن نستمر في سياسة الغلاسة على معبر رفح، ومهاجمة حزب الله والترحيب بقرار المحكمة الدولية الذي يتهم أعضاء من حزب الله بقتل الحريري!!
ومن الطبيعي أن ننفذ أي توجيهات أمريكية بشأن الانتخابات والدستور والإعلام وما شابه، ونتغاضى عن النقود التي تدفعها أمريكا علنا لجمعيات مشبوهة في مصر تحت مسمى دعم الديمقراطية وهي في الحقيقة لنشر الفوضى في مصر وتجنيد العملاء!!
باختصار: من لا يملك قوته، لا يملك قراره.. ومبارك لم يكن فلتة، ورحيله لا يعني تغير أي شيء في سياسة مصر ولا يضمن أي حل عاجل لمشاكلها المعقدة، فنحن دولة بلا تعليم ولا صناعة ولا زراعة، وشعبنا لا يعمل ولا ينتج شيئا!!
وهؤلاء الشباب الذين يصيحون الآن في الميادين، لو تم تجنيدهم في أي مشروع قومي عملاق سيغيرون سياسة مصر تغييرا جذريا بدون حتى أن يطلبوا هذا!!
وفي النهاية، أتوقع أن المجلس العسكري لن يسلم مصر إلا إلى رجل عسكري يقدر حجم الخطر الدائم الذي تسببه لنا إسرائيل، التي غرسها الغرب هنا من أجل هدف واحد: وهو منع قيام أي نهضة عربية أو وحدة إسلامية، واستنزاف الدول العربية في حروب دائمة وسباق تسلح لا يتوقف.. وفي الغالب سيكون أحمد شفيق هو اختيار الجيش، ولم يخف على أحد جلوسه مع المشير في حفل تخرج القوات الجوية.. فإن حدث وسلم الجيش السلطة لرجل مدني فسيكون عمرو موسى، باعتباره رجلا مخضرما يدرك وضع مصر ويفهم أبعاد اللعبة.
أما مجلس الشعب القادم فسيكون متوازنا كما أخبرنا ممدوح شاهين في المؤتمر الصحفي.. يعني لا ديمقراطية ولا صندوق.. كل شيء سيتم ضبطه بالورقة والقلم في القوائم الانتخابية!!.. وسيضطر الإخوان للموافقة على هذا، لأنهم يعرفون كل هذه المشاكل والمخاطر، وسيرضون بالمتاح.. أما السلفيون، فيمكن حل بعض أحزابهم قبل الانتخابات باعتبارها أحزابا دينية، أو توريطهم في أي فتنة من نوعية "عايز أختي" واعتبارهم متطرفين!!
ومع مرور الوقت، سنجد أنفسنا نعيد إنتاج نفس مشاكل النظام القديم.. ببساطة لأننا شعب قام مبارك بتجهيله وإفساده.. شعب يريد فرض أحلامه الرومانسية في لمح البصر بالصياح في الميادين دون أن يقدر الواقع والممكن ودون أي تخطيط علمي أو عملي.. شعب يريد رواتب أعلى وحياة أهنأ بدون أن يعمل!
فليتنا كنا كشعب اليابان، الذي يتكلم قليلا ويعمل كثيرا، ولم يركن إلى البكاء والعويل بعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية وضربها بقنبلتين نوويتين، بل تعلم وعمل وأنتج وقفز إلى الأعلى بسرعة كبيرة.. وها هو بعد كارثة الزلزال والتسونامي والتسرب النووي (كارثة من طراز 3×1) يتبرع كل مواطن منه بساعتين إضافيتين من العمل يوميا لزيادة الإنتاج لتعويض الخسائر، ويتطوع عجائزه للعمل في إصلاح المفاعل المتضرر حتى لا يتأذى الشباب بالإشعاع، ويواصل المشردون الذين دمرت بيوتهم، حياتهم بشكل طبيعي داخل الصالات الرياضية التي تم إيواؤهم فيها، فيحولونها إلى مدارس لتعليم أبنائهم.. اليابانيون شعب لا يملك وقتا لتضييعه، ولا توجد كارثة أقوى من عزيمته، ولا يتظاهر ليطلب من أحد إطعامه أو رفع رواتبه وهو لا ينتج شيئا.. فأين نحن منهم الآن؟.. وما الذي تغير فينا بعد الثورة؟
تريدون رأيي: السيادة في مصر ستظل دائما لمن يمنحنا المعونات والقروض، ولمن نستورد منه طعامنا ودواءنا وسياراتنا وطائراتنا ووقودنا وأدواتنا الصناعية والتقنية  وأسلحتنا، وليس للشعب الكسول المستهلك غير المنتج، مهما صرخ في الميادين، ومهما وضع أوراقا في الصناديق!
الدول العزيزة يصنعها شعب منتج.
لهذا أقول إن تحرر مصر وتقدمها يبدآن من داخل كل إنسان فينا.. بأن يستثمر وقته ليثقف نفسه، ويطور مهاراته، ويؤدي عمله بضمير، ويربي أبناءه تربية أفضل، ويتخلص من فكرة أن أهم شيء هو منحهم شهادة جامعية ليكونوا عاطلين، وبدلا من هذا يعلمهم حرفة إنتاجية تنفعهم وتنفع الناس.
لماذا يُدخل الناس أبناءهم كلية مثل كلية الآداب إلى اليوم، وهي كلية لا وظيفة لخريجيها في مصر؟.. لماذا لا يدخلونهم التعليم الفني والمعاهد الصناعية بدلا من ذلك؟
لماذا لا يستثمر الناس أموالهم في إنشاء المصانع والشركات؟
لماذا ينفق العائدون من الخليج أموالهم في شراء الأرض الزراعية والبناء عليها لقتلنا جوعا، بدلا من أن يذهبوا لبناء مصنع على أرض رملية، فيعمروا ما حوله ويشغلوا الشباب، أو يزرعوا قطعة أرض صحراوية فيطعمونا من خيرها؟
حرية الوطن تبدأ من تغير سلوك الفرد، ورغبته في العمل لإعلاء شأن وطنه، وليس بالمطالبة بزيادة الأجور، ورفع الموازنة، وما إلى ذلك.
وأرى أن نبدأ العمل من خلال مؤسسات المجتمع المدني، لعمل مشاريع قومية يفتح الباب فيها لمساهمات المصريين.. الحكومة وحدها لن تغير مصر.. يجب أن يكون هناك دور للشعب في هذا.. وقديما كنا نقول إن مبارك وعصابته يعرقلون كل الجهود ويفرضون الرشاوى ويسرقون الناتج.. الآن زال كل هذا، فعلينا أن نبدأ العمل.
باختصار:
تغيير الحكومات وحده لن يغير مصر.. يجب أن نتغير نحن أيضا.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

صفحة الشاعر