اقتراح هام بخصوص مجلس الشورى
(مجلس الشعب نيابي، ومجلس الشورى تخصصي)
تتعالى الأصوات الآن مطالبة بإلغاء مجلس الشورى، وتوفير الوقت والجهد والمال فهو في النهاية مجلس لا يتضح له دور معين.
والحقيقة أن لدي اقتراحا قديما كنت أؤجله إلى الوقت المناسب، وأرى أن هذا هو وقته المناسب فعلا، خاصة أن إلغاء مجلس الشورى الآن غير ممكن بغير إجراء استفتاء شعبي، لان الاستفتاء السابق حدد لمجلس الشورى دورا في اختيار لجنة تأسيس الدستور، ولو تم إلغاءه الآن، فمن السهل أن يطعن أي شخص أو جهة بعدم شرعية الدستور وكل الإجراءات التالية له!
لهذا أقترح ما يلي:
ما رأيكم لو كوّنا مجلس الشورى بطريقة أخرى غير الانتخاب الشعبي، بأن يدخل إليه مباشرة هؤلاء الأعضاء:
- رئيس كل حزب له مقعد واحد على الأقل في مجلس الشعب.
- رؤساء الجامعات والنقابات والاتحادات والصحف والمجالس القومية المتخصصة ومجلس القضاء الأعلى وما شابه.
- ممثلون عن منظمات المجتمع المدني الكبيرة.
- ممثل عن كل محافظة، وليكن رئيس المجلس المحلي للمحافظة، أو أي عضو في المجلس المحلي ينوب عنه.
- مندوبون عن الأزهر ولجنة الإفتاء والكنيسة وما شابه.
- مندوبون عن المؤسسة العسكرية.
مع ملاحظة أن معظم هؤلاء الأفراد منتخبون في أماكنهم وليسوا معينين، كرؤساء النقابات والجامعات مثلا.. وهذا معناه أن مجلس الشورى سيكون منتخبا من الشعب أيضا، لكن بطريقة مختلفة.. هذه الطريقة تحقق ما يلي:
- تمثيل قطاعات الشعب بصورة عَرَضية، مبنية على التخصصات المهنية والعلمية والفكرية، وهذا يجعل مجلس الشورى مجلسا متخصصا للصفوة (رؤوس المؤسساتـ الذين هم أهل الحل والعقد في العصر الحديث)، يعبر عن طوائف وقطاعات الشعب المختلفة كالأطباء والمهندسين والعمال والفلاحين.. إلخ، وبهذا يختلف عن مجلس الشعب الذي يتم اختيار أعضائه من الشخصيات السياسية العامة تبعا للتقسيم الجغرافى.
- اختيار مجلس الشورى بهذه الطريقة يمنع وصول الأميين ومحدودي العلم والثقافة إليه، وهذا يمنحه ثقلا ومكانة تمكننا من تحديد دور مميز له.
- هذه الطريقة ستوفر تكاليف الدعاية والانتخابات وتأمينها، وستوفر وقتا وجهدا.
- هذا التوزيع سيعطي للنقابات والمؤسسات العلمية والصحفية والقضائية والقانونية ومؤسسات المجتمع المدني دورها في التشريع ومناقشة قضايا المجتمع، مما يقلل من مشاكل الانتخاب المباشر، الذي يأتي بالأكثر مالا ونفوذا وشهرة وشعبية وسيطرة إعلامية أو حتى مكانة دينية، ويجعل فئات أو أحزاب معينة تطغى على شكل المجلس بسبب تأثيرها على الشارع.
هذا هو الشق الذي يمكن تنفيذه الآن فورا من الفكرة.. حيث إنا نحتاج المجلسين حاليا لاختيار لجنة صياغة الدستور.. وبهذه الآلية، يمكن اجتماع مجلسي الشعب والشورى معا يوم 23 يناير القادم، وبدء النقاش حول لجنة صياغة الدستور.. وهذا يتيح سرعة الإعلان عن فتح باب الترشح لرئاسة الجمهورية، وأقترح ترك مدة شهرين على الأقل لكل مرشح للدعاية لنفسه والتجول في المحافظات والظهور في الفضائيات وإجراء المناظرات، فهذه انتخابات على مستوى الجمهورية، وليست على مستوى دائرة انتخابية محدودة.
ويتبقى الشق الآخر للفكرة، وهو خاص بتحديد صلاحيات ودور كل من مجلسي الشعب والشورى، وهذا لا يمكن عمله إلا عند كتابة الدستور القادم بإذن الله.. لكن عامة، أطرح هذه الفكرة لمن أراد دراستها وتطويرها:
بما أن مجلس الشعب سيكون مجلسا نيابيا يمثل الدوائر الجغرافية سياسيا، فأقترح أن تقتصر صلاحياته على عرض مشاكل المواطنين في كل دائرة، ومراقبة الحكومة ومحاسبة الوزراء، ومراجعة الموازنة العامة، وما إلى ذلك.
أما مجلس الشورى، فسيكون مجلسا تخصصيا للصفوة الخبيرة في كل قطاعات المجتمع، من أساتذة الجامعات والقضاة ونقباء المحامين والصحفيين والأطباء والمهندسين وقيادات العمال والفلاحين، وممثلي الأزهر والكنيسة والجيش... إلخ، وبالتالي أقترح أن يتم إسناد مهمة التشريع ووضع القوانين إليه، لأننا نضمن في هذه الحالة نقاشا واعيا جادا حولها، من أناس يترأسون النقابات المهنية والمؤسسات العلمية والصحفية والقانونية والقضائية والدينية، وبالتالي سنضمن أن تخرج لنا قوانين حكيمة تراعي مصالح جميع الفئات، خاصة أن رؤساء المؤسسات مسئولون أمام مجالس مؤسساتهم، وسيعودون إليها للتشاور حتما قبل اتخاذ أي قرار، كما أنهم في كثير من الأحيان ينتمون إلى أحزاب أو تيارات فكرية، وهذا يعني أنهم سيستشيرون أحزابهم أيضا قبل البت في أي أمر.. هذا يضمن لنا سيادة مبدأ الشورى ضد الرأي الفردي، مما سيوصلنا إلى أكبر دقة ممكنة في مناقشة القوانين من جميع أوجهها وتأثيراتها على قطاعات المجتمع.
ويمكن أن تكون هناك مجالات متقاطعة بين المجلسين، يتحتم فيها أخذ التصويت فيهما معا (كالسياسات الخارجية الحرجة، وقرار إعلان الحرب مثلا).. ويمكن أن نجعل من حق مجلس الشعب رفض تشريع مجلس الشورى بأغلبية الثلثين، ومن حق رئيس الجمهورية رفض القوانين، وفي هذه الحالة يجب إقرارها بأغلبية الثلثين في جلسة مشتركة من المجلسين.. إلى آخر هذه التفاصيل الدقيقة التي يتفق عليها الخبراء وتُقنّن عند وضع الدستور.
وبهذا التقسيم المميز بين طريقة اختيار وصلاحيات كل من المجلسين، سنوازن بين القيادة الشعبية اللازمة لتمثيل الشعب في مجمله، بما لهذه القيادة السياسية من حضور وتأثير وجماهيرية، وبين القيادة الخبيرة المتخصصة من الصفوة الذين يمثلون قطاعات بعينها من المجتمع.. وبهذا لن يزعجنا كثيرا أن يدخل أي أحد إلى مجلس الشعب، سواء كان شابا أو عاملا أو فلاحا أو رجل أعمال أو سياسيا، ليصرخ في وجه الحكومة كما يشاء ويعرض مشاكل من انتخبوه بالطريقة التي تناسبه.. لأننا مطمئنون أنه لن يكون مسئولا عن وضع قوانين لا يفهمها، فلا يفرض علينا الضرائب، ولا يتدخل في نظام التعليم وسياسة الجامعة، ولا قوانين الأحوال الشخصية، ولا نظام الاقتصاد، ولا السياسة الخارجية... إلخ.
أرجو منكم نشر هذه الفكرة وإيصالها إلى كل السياسيين والأحزاب والمسئولين والصحفيين والمفكرين والفضائيات.. فربما يكون فيها الحل لكل الخلافات الدائرة حاليا.
م. محمد حمدي غانم
25/12/2011