حرب ميدان التحرير
مشكلة حكم العسكر الرئيسية أنهم يديرون السياسة بنفس طريقة إدارتهم للحروب، وهذا هو ما دمر مصر ومستقبلها طوال العقود الماضية منذ ثورة الجيش في 1952.. فهؤلاء العسكر من متدني الثقافة ومتوسطي التعليم، عاجزون تماما عن التعامل مع المثقفين والخبراء والعلماء والمدنيين، وليست لديهم أي قابلية لسماع آراء مخالفة، فحياتهم العسكرية علمتهم السمع والطاعة، وإصدار الأوامر بلا نقاش، وعدم الاعتراف بالخطأ مهما ظهر لهم جليا.
ولعل ما يحدث الآن في ميدان التحرير، هو أوضح مثال على هذه العقلية العسكرية المتزمتة، فقد تم تحويل المأزق السياسي فجأة إلى معركة حربية شرسة، تهدف إلى (تحرير) ميدان التحرير من المتظاهرين، وكأن السيطرة على الأرض تعني النصر المؤزر وتحقق هدف العمليات، وكأنهم يحاربون إسرائيل لا شعب مصر!
مع أن أبسط طفل يعلم، أن ميدان التحرير ليس هو آخر ميدان للتظاهر، وإن إخراج المتظاهرين منه عنوة كما حدث في ليلة الثلاثاء 25 يناير لا يعني إنهاء الاحتجاج ولا حل المشكلة، فقد عاد المتظاهرون ظهر اليوم التالي أكثر تصميما، كما أن الأمن يوم جمعة الغضب جعل هدفه الوحيد منع المتظاهرين من الوصول إلى ميدان التحرير، والنتيجة أنه استنفد ذخيرته في سبيل هذا الهدف الساذج، حتى تم إنهاكه وانهمرت عليه سيول المتظاهرين من كل حدب وصوب، فهرب جنود الأمن المركزي وضباطهم، وتركوا عرباتهم ليتم حرقها وتدميرها، ورأينا ما تلا ذلك من هجمات انتقامية على أقسام الشرطة، وهروب حتى شرطة المرور من مواقعهم في رعب، حتى إن نقطة الشرطة في مدينتي الصغيرة الهادئة قد تم إغلاقها وهرب أفرادها كالجرذان، في مشهد فاضح مُخزٍ لانهيار جهاز الشرطة بأكمله في جميع أنحاء مصر في ليلة واحدة، بعد كل ما أُنفق عليه من نقودنا، وبعد كل ما مارسه ضدنا من غطرسة وقمع واستعلاء!
ولكن للأسف، الأغبياء لم يتعلموا الدرس بعد، ولن يتعلموه أبدا، وإلا ما استحقوا لقب الغباء باقتدار مع مرتبة القرف!!.. فالغضب لا يطفئه العنف والقمع.. والسياسة العسكرية الأمنية التي مورست عبر ثلاثين عاما هي سبب هذا السخط الشعبي العارم الذي انفجر في كل أرجاء مصر بعد أن طفح الكيل، ومواجهة هذا لا يمكن أن تكون بالبلطجة ومزيد من القتل الهمجي.. وحتى لو تم إخلاء ميدان التحرير فلن يمكن إيقاف الغضب في كل شوارع القاهرة وباقي محافظات مصر.. وحتى إن افترضنا أن هذا حدث، فمن المستحيل مواجهة غضبة المدونين والصحفيين والمحامين والقضاة والنقابيين والأزهريين وخطباء المساجد وأساتذة الجامعة والطلبة والأحزاب، وكل طوائف المجتمع التي رأت كل هذه الجرائم رأي العين، بعد أقل من نصف يوم من تعهد مبارك بالانتقال السلمي للسلطة ونقل مصر إلى الديمقراطية!!
إن الرسالة التي أوصلها هؤلاء العسكر الأغبياء لكل مصري، هي أن كل الوعود كاذبة، وكل التغييرات شكلية زائفة، وكل الوزراء من نفس الشاكلة، ووزير الداخلية القديم ملاك رحيم جوار الوزير الجديد الذي كانت هذه أولى بشائره، وأن الشرطة لا تطبق القانون بل تحمي المجرمين وتساهم في الجريمة وترعاها وتحميها، وأن الحزب الواطي لا يملك إلا شراء الذمم والرشوة وتجنيد البلطجية، وأن الحثالة المثقفة التي تتولى مناصب الإعلام والثقافة الرسمية، هم مجرد مرتزقة جهلة خونة فجرة يحترفون الكذب لمصلحة من يدفع أكثر.
باختصار: مصر تحكمها عصابة لا حكومة، والقانون الوحيد المطبق فيها هو شريعة الغاب، والحكم للأكثر قوة وبلطجة وإجراما وخسة ولصوصية.
هذه هي الرسالة التي وصلتنا جميعا مما يحدث الآن في ميدان التحرير.
ألا سُحقا للقوم الأغبياء.
بالطبع عصابة .. انصاره بلطجية وكذابين ومرتزقة فهل هو رئيس جمهورية أم زعيم عصابة !
ردحذف