شرطي المرور أعمى.. لا تتوجهوا إلى الميدان!
فلتبدأ الثورة الفكرية والاجتماعية
يخطئ من يظن أن الثورات تقتصر على الشق السياسي فحسب، دون أن تطال تداعياتها المجتمع، وهو ما رأيناه يحدث في ثورة 1952، حين قامت بخلع الملك ثم بدأت تغيير شكل الاقتصاد والمجتمع.
ويخطئ أكثر من يظن أن إسقاط مبارك وحاشيته ولصوصه وبلطجيته سيكفي وحده لحل كل مشاكلنا.
ويخطئ إلى حد السذاجة من يعتقد أن تغيير بعض سطور الدستور سيجعلنا ملائكة تعيش في جنة، فمشكلتنا أن كل شيء صار ينحصر عندنا في الورقة والقلم والكتب والدساتير، دون أن يتغير شيء على أرض الواقع.. فلدينا ديمقراطية على الورق منذ عام 1923، وانتخابات على الورق، وأحزان على الورق، ونقابات على الورق، وتعليم على الورق، ووزارة بحث علمي على الورق.. نحن دولة من ورق، وعلى رأي الفوازير: عالم ورق ورق!
أما خارج الورق، فهناك على أرض الواقع شبكة علاقات معقدة تشمل الشعب المصري كله، فيها مصالح ومنتفعون وثقافة وأعراف وتراث من السلبية والخوف والجبن، وكسر الشباب له لا يعني بالضرورة تغييرهم للأجيال السابقة لهم، فليس من السهل تغيير الطباع والضمائر والعقول في يوم وليلة بمجرد شعارات أو حتى بتعديل قوانين أو دساتير.. فالثقافة هي التي تحكم الشعوب وليس الكلام المكتوب على الأوراق.. والشعب المصري اعتاد على تحدى القوانين كل يوم طول عقود، ولم تستطع الحكومة نفسها إجباره على تطبيقها.
فهل نجح أي قانون في منع الثأر في الصعيد؟
وهل نجح أي دستور في منع الواسطة؟
وهل منعت الثورة طوابير المنتفعين من تقديم طلبات الحصول على شقق لا يحتاجونها فعليا، بينما دماء شهداء الثورة لم تجف بعد؟
وهل توقف السائقون عن دفع الرشوة لشرطي المرور رغم كل ما حدث؟
وهل يتصور أحدكم أن يعيش الإنسان شريفا براتب قدره 500 جنيه، يدفعها إيجارا لشقته؟
الآن، الكل يتكلم عن أن الحل هو رفع الحد الأدنى للأجور، ورفع رواتب ضباط الشرطة وأفرادها، وتطوير التعليم، وتوفير فرص العمل، و.. و.... و....
فمن أين في نظركم ستأتي الدولة بكل هذه النقود؟.. إن كل المليارات التي نهبها مبارك وعائلته ووزراؤه ولصوص الحزب الواطي لا تكفي ميزانية مصر لعام واحد فقط، ومن السذاجة افتراض أن استعادتها ـ إن استعدناها أصلا ـ ستغير شيئا ملموسا في فترة قصيرة، خاصة أن معظم هذه الثروات هي مصانع وعقارات وأراضي وليست نقودا سائلة، وبالتالي فهي لن تضيف شيئا إلى الاقتصاد فعليا!
والسؤال الآن هو: من أين نبدأ وما هو الحل؟
يجب أن نكون صرحاء ونعترف أنه لا توجد حلول مثالية ولا عاجلة ولا كاملة.. كل حل سيتم طرحه سيوجد متضررون منه ومعارضون له، ولكن الحكمة تقتضى تغليب مصلحة الأغلبية، والصبر على الآثار الجانبية إلى أن تؤتي هذه الحلول ثمارها على الأمد البعيد.
باختصار: نحن في حالة ثورة ونحتاج إلى حلول ثورية لمشاكلنا.. لهذا أنا أقول التالي:
1- الطلب بزيادة الأجور للجميع أمر غير عملي، لأنه سيرفع الأسعار وسنظل ندور في نفس الحلقة المفرغة القديمة.. لهذا، يجب على الدولة أن تقلص الأجور الجزافية التي سمعنا أن البعض يتقاضونها، لتقليل إحساس المواطنين بالظلم، فلا يعقل أن يتقاضى طبيب شاب 300 جنيه في الشهر، ويتقاضى شخص آخر أقل منه علما وأهمية مليون جنيه في الشهر لمجرد أنه مدير بنك!!
2- يجب أن تكون الأولوية المطلقة لتعيين الشباب العاطل وليس الفتيات إلا الفتاة التي تكون في حاجة ملحة فعلا للعمل لكونها العائل الوحيد لأسرتها.. ويجب على الإعلام إيصال رسالة مختصرة إلى الفتيات مفادها: رجل عاطل = فتاة عانس + ثائر يهد نظام الدولة + بلطجي يخل بالأمن + متحرش يغتصب الفتيات!
3- يجب نسف نظام التعليم من جذوره، بإيقاف تعليم الفتيات فورا، وإيجاد مسار حرفي مبكر من السنة الرابعة للتعليم للتخلص من الأطفال الذين لا يمتلكون أية ملكات ذهنية ولا فائدة من إهدار نقود الدولة في تعليمهم، مع تثقيف الفتيات من خلال الأم والإعلام والإنترنت، وبرامج مختصرة تابعة للمساجد والإدارة المحلية والجمعيات الأهلية، لتعليمهن القراءة والكتابة والحاسوب وبعض المهارات المنزلية، مع خفض سن الزواج مرة أخرى إلى 16 عاما.
4- التجنيد الإجباري لكل من بلغ 18 عاما من الشباب دون تأجيل بسبب الدراسة، إلا لمهنتي الطب والهندسة وأي مهنة أخرى ترى الدولة أنها في حاجة ماسة لها ولا يوجد منها فائض في مخزون البطالة الاستراتيجي J.. على أن يتم توجيه هذا الجيش لتعمير الصحراء وإنشاء المشاريع القومية العملاقة، لخلق مجتمعات جديدة وفرص عمل للأجيال القادمة.
ولتفاصيل أكثر عن المقترحين الأخيرين أرجو قراءة هذا الموضوع:
أعرف أن هذه المقترحات صادمة، لكن لا مناص عنها، فالحلول البطيئة صارت مستحيلة بدليل قيام الثورة ووجودنا في هذا الوضع الذي صارت فيه الدولة هشة للغاية ومهددة بالانهيار.
لقد تكلم د. كمال الجنزوري رئيس الوزراء الأسبق منذ عام 1997 عن ضرورة التوسع في التعليم الفني وتقليص التعليم الجامعي، وإلى اليوم لم يتم تنفيذ هذا، بسبب خشية الدولة من ردة فعل الناس، لهذا اختارت التغيير البطيء، بإنشاء الجامعات الخاصة والتوسع في التعليم المفتوح، وكانت على وشك تطبيق نظام الثانوية العامة الجديدة لتقليص التعليم الجامعي المجاني.. لكن الثورة سبقت كل هذه الإجراءات البطيئة!!
والآن، الكل يريد أن يعيش كمواطن في دولة عظمى، بمستوى دخل مرتفع وتعليم راق وفرص عمل مرموقة، مع زج النساء في كل هذا.. والسؤال ببساطة هو: من أين يا حسرة؟؟!!.. نحن نعيش على 4% من مساحة مصر التي رسمها لنا الإنجليز مشكورين على الخريطة، مصرّين على أن مصر فقط هي التي عاش فيها الفراعنة، مع أن زيادة تعدادنا جاءت على حساب تدمير الرقعة الزراعية، فصرنا نستورد 80% من غذائنا، و 100% من الآلات والأجهزة الالكترونية، وخسرت مصانعنا وأغلقت بسبب عجزها عن منافسة المنتجات الصينية، ونعتمد كلية على عائدات قناة السويس والسياحة وتحويلات المصريين من الخارج (وهي ستقل حتما بسبب توابع الثورة على دول الخليج، التي ستسعى حكوماتها إلى تقليص بطالة شعبها على حساب طرد العمالة الوافدة، تفاديا لثورات مشابهة).. ومن الطبيعي أن نعلم أن هذا الدخل لا يكفي لتحقيق كل أحلامنا الوهمية، وأننا نحتاج إلى البدء في العمل الفوري بسواعدنا وعقولنا لتعمير مصر والانتشار على أرضها والاستفادة بخيراتها، ليختفي الزحام والتلوث والعشوائيات وتنفتح آفاق المستقبل أمامنا.
إن صحراء مصر كلها ثروات، فشمسها طاقة تكفي لتوليد الكهرباء طوال العام بلا أي تلوث، ورملها سيليكون يضمن لنا طفرة في صناعة الالكترونيات، وباطنها معادن وبترول ومياه جوفية، وفيها مناطق صالحة للزراعة، وأخرى صالحة لإنشاء المدن السكنية والصناعية، و... و.... و....
فهل سنستمر في اجترار نفس الخطاب الفاشل الذي خدرنا به مبارك، عن التعليم وحقوق المرأة وتحديد النسل ولا للختان ولا للزواج المبكر ونعم لعمل المرأة، ونعم لكوتة النساء في مجلس النهب، أم سنثور على عالم الورق ونتوقف عن الكلام والشعارات الفارغة والجدل العقيم، ونبدأ العمل فورا مضحين ببعض الرفاهية والأحلام الشخصية، في سبيل غد أفضل لنا ولأولادنا؟
إنني أحذر أننا بدون هذه الثورة الفكرية والاجتماعية، سنعيد إنتاج نفس النظام السابق بأنفسنا: نفس الشعارات، ونفس الانتهازية، والتزاحم في الطوابير ووسائل المواصلات، والتكدس في عشش الفراخ في العشوائيات، والمطالبة بزيادات وهمية في المرتبات تؤدي إلى التضخم والغلاء، ودفع الرشاوى وتقاضيها في مجتمع لا يعمل، وإهدار العمر في علب السردين المسماة بالفصول لحفظ كلام عبيط لا يفيد في شيء، لتخريج عاطلين يثورون على الحكومة التالية.... وهكذا دواليك إلى أن تنهار مصر نهائيا وتبدأ الفوضى والقتل ويأكل الناس بعضهم حرفيا!
إنها لحظة الاختيار الحاسم، وعلينا أن نعلو جميعا لنرى الصورة شاملة قبل أن نقرر:
مصر الآن أشبه بميدان ضخم، كان يديره شرطي مرور أعمى أو مجنون، بحيث أوصل السيارات إلى التكدس في مواجهة بعضها من كل اتجاه، فلم يعد أحد قادرا على التقدم أو حتى التراجع.. الطرق موجودة، والسيارات موجودة، لكن كل شيء توقف، ولا أمل في الحركة!
لهذا علينا أن نعيد طرح الأسئلة البديهية من البداية: من نحن؟.. وماذا نريد من الحياة؟.. وإلى أين نريد أن نصل؟.. وكيف نصل؟.. ومن منا يجب أن يتحرك بسيارته أولا، ومن منا يجب أن يتراجع ليفسح له، حتى يعود انسياب الحركة طبيعيا ويصل كل منا إلى وجهته؟
باختصار: على السادة القادمين إلى هذا الميدان بسياراتهم: رجاء غيروا مساركم حتى لو سرتم على طرق ترابية أطول، لتسمحوا للآخرين بالتراجع، حتى يمكننا إعادة تنظيم المرور والتحرك نحو مستقبل أفضل لنا جميعا.
محمد حمدي غانم
16/2/2011
هل تعتقد أنه يجب التعليق على ما كتبت وكل كلمة تنضح بما فيها من تفرقة فئوية ولن أتحدث عن التفرقة على أساس الجنس لأنك مشهور بها وليس أول مقال بهذا الشأن فكل شىء تخل به المرأة ولكن لماذا تضع الطبيب والمهندس فى الفئة الأساسية التى يجب أن تؤجل تجنديها فيما عاداها كل النقاط لا بل كل المقال قائم على هذا فكيف تقيم عدل وأساسه ظالم
ردحذفهاسندا
هاسندا:
ردحذفأولا: أنا أصنف نفسي باعتباري أكبر المدافعين عن حقوق المرأة في هذا العالم.. أنت ترين هذا الرقم 7 وأنا أراه 8، فقط لأننا نقف في اتجاهين مختلفين، فنرى الحقائق بشكل مختلف!
ثانيا: عدد الأطباء في مصر ما زال قليلا، خاصة أن ثلثهم لا يعمل في مهنة الطب في مصر بعد التخرج تبعا للإحصائيات الرسمية، إما لأنه دخل الكلية مكرها فعزف عن مزاولة المهنة، وإما بسبب سفره إلى الخارج لتحسين دخله، فأنت تعلمين أنهم يتخرجون من الكلية وهم كهول!
وأما الهندسة، فهذا أمر طبيعي، لأننا إذا كنا سنتكلم عن مشاريع قومية ضخمة، فسنحتاج إلى عدد هائل من المهندسين في كل التخصصات.. أما باقي التخصصات فلدينا منها ملايين العاطلين في مصر، وكما قلت: الدولة تستطيع أن تحدد ما تحتاجه وما لا تحتاجه.. يجب أن نخرج من "الجاكتة الجبس" بتعبير المرحوم د. مصطفى محمود، ولا يكون التعليم لدينا مقدسا كأنه أنزل من السماء، بل يجب أن توظفه الدولة على حسب احتياجها.. فالتعليم وسيلة وليس غاية.
أخيرا: حينما أكتب، لا أكتب لأرضي من يقرأ لي، بل لأرضي ضميري، وأؤدي رسالتي نحو وطني، طبقا لما وصل إلى من معرفة، وما فهمته من الحياة.. ولست أملك سلطة لأفرض رأيي على أحد، والحقيقة أني لا أحب تحمل المسئوليات، وأفضل دائما أن أحلل وأقترح، وعلى من يعجبه شيء مما أقول أن يتبناه، ومن لا يعجبه شيء آخر أن يتجاهله.. عليك أن تروضي نفسك على هذا من الآن، لأن عصر الرأي الواحد قد انتهى، وعصر ماما سوزان وعقوق المرأة وغسيل المخ الإعلامي سيولي بلا رجعة.. إذا كانت هذه الدولة ستسير بالفرز الطبيعي لا بفرز أمن الدولة وتوجيهات سيادة الرئيس وأوامر المانحين الغربيين، فهناك الكثير من الأمور التي سيلفظها المجتمع وسوق العمل بسبب فشل تطبيقها.
تحياتي
أنا أكثر الناس الذين ستجدهم إحتراما لرأى الآخر ولكنك وليس هجوما عليك صدقنى فأنت من الناس الذين أحترمهم وإلا ماكنت متابعه لأعمالك أنت تسفهه من رأى الآخر طالما لا يوافق رأيك
ردحذفأنا لا أوافق فى أكثر ممن يتحدثون عن حقوق المرأة فعندى حقوق المرأة التى أقرها الإسلام ومن الأشياء التى أقرها أنها إنسانة مثلها مثل الرجل لا تنقص أو تزد عليه فى شىء فالعقاب واحد والثواب واحد فلماذا تحرمها من حقها فى التعليم إذا أرادت هى ذلك حتى وهى طفلة فهى أقدر على حبها أوعدم حبها له مثلها مثل الطفل بأسلوبك ستكره نفسها لأنها خلقت بصفة تشريحية مختلفة عن الرجل وستكره من خلقها هكذا فى هذه الدنيا وستكرهك بصفة الوالد الذى أجبرها على ذلك
الأطباء (على قفا مين يشيل )وكذلك المهندسين وأى مشروع يطلب كل التخصصات فلن نميز بين أى فرد فلولا الطبيب ما كنت شفيت والمهندس ماكنت سكنت أو أى من تخصصاته ولولا الزبال كنت غرقت فى القازورات التى تصنعها بنفسك
المشكلة أن كل فرد لا يراعى ضميره ويقول أننى فرد مثل مايسرى عليهم يسرى علىّ
أخيرا أنت بالفعل لا تفرض رأيك على أحد ولكنك تسفه من آراء الأخرين وهو أقسى كثيرا من أن ترفضه بل لقد تجاوزت فى أحد المقالات وسببت أحدهم
أنا لا أهاجمك ولكن هو الإحترام للفكر
هاسندا
هاسندا:
ردحذفلا أحب تحويل المواضيع الهامة التي تناقش قضايا وطن في وضع خطر يهدد وجوده، إلى كلام شخصي.. أنا حر في الطريقة التي أتكلم بها.. هذا بضاعتي وهذه طريقة عرضي لها، وفي الفضاء الرقمي متسع للجميع.
نعود إلى موضوعنا: تقولين إن التعليم في المدارس حق للمرأة.. وأنا أقول إنه ليس حقا لا للرجل ولا للمرأة، بل مفروض علينا بقانون مضاد للحرية اسمه قانون التعليم الإلزامي يؤيده الإعلان العالمي لعقوق الإنسان، وإلا فأحضري لي آية أو حديثا تحض على التعليم في المدارس.. هناك خلط واضح عند الجميع بين العلم والتعليم، بسبب غسيل المخ الإعلامي.. عموما وحتى لا نضيع وقتا: أنا أقول إني من منطلق حريتي وحقي في الحياة، أرفض أن تقتطع الدولة الضرائب مني لتعليم الآخرين على حسابي في سبيل لا شيء.. التعليم الذي تعرفينه هو مجرد محو أمية وثقافة عامة ووجاهة اجتماعية ولم يعد حتى يؤهل لوظيفة، وهو لا يفيد المجتمع في أي شيء، وأنا أرفض أن يتم تعقيد حياتي وتبديد نقودي وتضييع عمر أبنائي في هذا العبط الجماعي.. لو سمحتم: لا تأخذوا مني ضرائب للتعليم، ولا تفرضوا هذا التخلف على أبنائي، وأنتم أحرار في أنفسكم.
التعليم الذي أبحث عنه والذي تحتاجه مصر هو تعليم للعباقرة، يشرح المدرس فيه على شاشة رقمية باللمس، ويعرض للطلبة أحدث الوسائط المتعددة الممتعة، ويذهب معهم إلى المعمل ويجري كل منهم التجارب بيده، ويخرج معهم إلى البيئة ويتعرفون على مواردها ومشاكلها ويساهمون في حلها وتطويرها.. تعليم ليس فيه منهج جامد بل نقاشات مفتوحة تفاعلية، والامتحان فيه لا يأتي من كتاب الوزارة لأنه لا يجب أن يكون هناك كتاب وزارة أصلا بل خطة تعليمية المدرس حر في تنفيذها كيفما شاء.. تعليم ليس فيه سنوات دراسية متراكبة، بل يختار فيه المتعلم ماذا يريد أن يتعلم وفي أي وقت يتعلمه، ويتيح للطالب الأذكى أن يتقدم بسرعة في مراحل التعليم دون انتظار الأقل ذكاء.. كل هذا لن يحدث إلى إذا كانت كثافة الفصل 20 تلميذا على الأكثر.. وقد حسبتها اقتصاديا من خلال المقارنة بين ميزانية التعليم في مصر وأمريكا، فوجدت أن واحدا فقط من كل عشرين طالبا في مصر هو الذي يحق له التعليم على نفقة الدولة.. نستطيع أن نتخلص من 10 فتيات لا قيمة لهن في التعليم وسوق العمل ونحتاجهن بشدة لتربية جيل أفضل، وهذا يترك أمامنا التخلص من تسعة من كل 10 من الرجال.. هؤلاء التسعة بداهة يصلحون للأعمال اليدوية والحرف، والعاشر هو الذي يمتلك الملكات الذهنية التي تجعلنا ننفق عليه نقودنا مطمئنين إلى أنه سيضاعفها لنا ويجعلنا نعيش راضين عن أنفسنا وعن بلدنا مهما كانت مهنتنا، فاحترام الإنسان لنفسه يبدأ من احترامه في بلد متقدم لديه طموح للمستقبل.
وعموما، الأيام بيننا وسنرى.. إن كان هناك أمل لتقدم مصر بهذه التركة المهلهلة من الشعارات المستوردة فمرحبا بذلك، أنا لا أكره أن تتقدم مصر بأي طريقة كانت، ولكننا جربنا هذا الخبال 60 عاما منذ قيام ثورة يوليو وهي فترة كافية لنحكم عليه بالفشل الذريع.. وأنا أقول منذ 15 عاما إن هذا التعليم سيهد الدولة وقد فعل، وأسقط العاطلون النظام رافعين في ميدان التحرير شعار: "الموت في سبيل شيء أفضل من الحياة في سبيل لا شيء"!.. ولو استمر الأمر على ما هو عليه، فستنهار مصر وتختفي من على الخريطة تماما.. الاضطرابات الآن تشتعل في كل مكان في الوطن العربي، ولو تحولت دول الخليج ودول البحر الأحمر إلى دول فاشلة كالصومال، فلن تمر سفينة في قناة السويس ولن يسافر مصري إلى الخارج، ولن يأتي إلينا سائح، وساعتها سنموت جوعا لأننا لا نملك صناعة ولا زراعة، وسيكون الأوان قد فات على بدأ مشاريع قومية ضخمة.
ولنرَ ماذا سيفعل الناس بشهاداتهم حينها!
تحياتي