المتابعون للمدونة

الجمعة، 11 فبراير 2011

ورطة الديمقراطية في مصر

ورطة الديمقراطية في مصر

منذ بداية الثورة في مصر، وأنا على يقين تام أن المشكلة لا تكمن في تنحي مبارك، بقدر ما تكمن في استماتة النظام في الحفاظ على مجلسي الشعب والشورى المزورين، والتمسك بأغلبية الحزب الحاكم.
وها هو ذا مبارك يفوض سلطاته إلى عمر سليمان، مما يعني أن مبارك توارى عن الساحة السياسية، لكن دون أن يحل المجالس النيابية، وهو الأمر الذي لا يملكه نائبه المفوض الآن.. لاحظوا أن استقالة الرئيس تعني تلقائيا حل المجلسين، لهذا كان من المستحيل أن يقدم استقالته!
والآن سننتظر الحكم في الطعون المقدمة في أعضاء المجلس المزور.. سيستغرق هذا شهورا، وستقبل بعض الطعون، وقد تجري انتخابات إعادة في بعض الدوائر، لكن في النهاية سيتم هندسة الأمر ليحتفظ الحزب الوطني بأغلبية الثلثين على الأقل!
ولكن لماذا هذا التمسك بالحزب الحاكم، والمجلسين المزورين؟
السبب في هذا أن إجراء أي انتخابات جديدة حاليا في ظل هذا الحماس الشعبي العارم، سيعني مشاركة شعبية حقيقية في الانتخابات، ومع كراهية الناس للحزب الحاكم واستحالة تكرار عمليات التزوير في ظل الوضع الثوري الجديد، فستأتي الانتخابات بنتيجة لا يمكن أن تقبلها أمريكا وإسرائيل والمؤسسات السياسية المصرية والجيش المصري، بسبب تأثيرها على العلاقات الخارجية المعقدة لمصر!
فكل هذه الأطراف لن تقبل بحصول حزب قومي (كالحزب الناصري) على أغلبية المقاعد، لأن التوجه القومي يحيي الصراع مع إسرائيل.
كما لن تقبل بحصول حزب شيوعي اشتراكي (كحزب التجمع) على الأغلبية، لأنه يخالف التوجهات الليبرالية الرأسمالية.
كما لن تقبل بحصول حزب إسلامي (كالإخوان المسلمين) على الأغلبية، لأن هذا سيقلب صورة الحياة في مصر رأسا على عقب داخليا وخارجيا، وسيحيي مشروع الخلافة الإسلامية.
كما أن الشعب لن يقبل بعودة الحزب الوطني مرة أخرى إلى مجلسي الشعب والشورى!!
وهذا يعني أن كل نتائج الانتخابات القادمة مرفوضة مقدما، وقد أعلنت المستشارة الألمانية صراحة أن إجراء انتخابات سريعة في مصر سيكون خطأ فادحا، وهي إشارة واضحة إلى رفضها لحل المجلسين!!
إضافة إلى هذا، ترك الشعب يختار رئيسه القادم اختيارا ديمقراطيا سيؤدي إلى مفاجآت من نفس العينة.. ربما يكون عمرو موسى هو الشخص الأكثر ملاءمة للمرحلة القادمة، فهو جزء من النظام القديم، وكونه وزير خارجية سابقا وأمينا عاما حاليا لجامعة الدول العربية، يجعله مدركا تماما لحجم التحديات التي تواجه مصر، وطبيعة علاقاتها بدول المنطقة ودول العالم، لكن المشكلة أن الانتخابات النزيهة لا تضمن اختياره، فقد تأتي بالبرادعي الذي لا يفهم شيئا في أي شيء، أو بأيمن نور أو بمرشد الإخوان أو بأحمد شفيق أو عمر سليمان أو حتى بوائل غنيم!!
هذا القدر من المجاهيل يجعل من المستحيل على أمريكا وإسرائيل قبول هذه المخاطرة، لكن المشكلة أن أمريكا هي من ظلت تمنّي هؤلاء الشباب الثائر بأحلام الديمقراطية، وكانت تظن أنها مجرد ورقة ضغط على مبارك وحكام المنطقة، فإذا بالأمور تفلت من يدها، وتخرج الأمور عن سيطرتها، وتتحول اللعبة إلى حقيقة!
إنها أزمة معقدة وورطة حقيقية، ومن يفهمون في السياسة يعرفون جيدا أن أمريكا لا تسمح لأي نظام ثوري بالبقاء إذا لم يأت موافقا لإرادتها، وهذا شاهدناه في الحرب الأهلية في الجزائر والسودان والانشقاق بين حماس وفتح في فلسطين، إضافة إلى قدرتها على حصار مصر اقتصاديا، أو الزج بها في حرب مع إسرائيل.. وتذكروا جيدا أن ثورة الشعب المصري على مراد بك وإبراهيم بك بقيادة الأزهر تلتها مباشرة الحملة الفرنسية على مصر، وثورة عرابي على الخديو توفيق انتهت بالاحتلال الإنجليزي لمصر، وثورة 1952 تلاها العدوان الثلاثي ثم نكسة 1967.
إذن فالتدخل الخارجي لإجهاض الثورات العربية حقيقة لا يمكن نكرانها، وهذا ما يعيه الإخوان المسلمون جيدا، لهذا أعلنوا بوضوح أنهم لن يسعوا إلى الترشيح للرئاسة، ولن يحاولوا حتى الحصول على الأغلبية في مجلسي الشعب والشورى، مبررين ذلك بأنهم لا يسعون إلى استفزاز أي جهات خارجية أو داخلية.. فمن إذن يستطيع أن يملأ الفراغ الذي سيتركه الحزب الوطني، علما بأن باقي الأحزاب هشة وبلا كوادر كافية، وليست لها شعبية أصلا؟!
ثم: ألن تعيد الانتخابات إفراز نفس النوعية الفاسدة من البشر، بسبب تفوق المال في المنافسة، بما يوفره من دعاية واسعة للمرشحين بل وشراء أصوات الناخبين، ونحن جميعا نعلم أن أغلبية الشرفاء لا يملكون المال الكافي للحصول على منافسة شريفة؟
ومن الذي سيحكم مصر في المرحلة القادمة؟.. ومن الذي يختاره وعلى أي أساس؟
ألن تكون الأمور أيسر لو كان اختيار الرئيس يتم بواسطة النخبة، حيث يمكن للمسئولين طرح الأوراق كاملة أمام هذه النخبة، كي يمكنهم التوصل إلى اختيار أفضل من يقود مصر في هذه المرحلة الدقيقة، حتى لو تم تقديم بعض التنازلات مرحليا؟
أرجو قراءة انتقاداتي للديمقراطية واقتراحاتي لنظام نخبوي بديل يعتمد على التمثيل النقابي بدلا من التمثيل النيابي في هذه المواضيع:

هناك 4 تعليقات:

  1. فى قولك
    ثم: ألن تعيد الانتخابات إفراز نفس النوعية الفاسدة من البشر، بسبب تفوق المال فى المنافسة، بما يوفره من دعاية واسعة للمرشحين بل وشراء أصوات الناخبين، ونحن جميعا نعلم أن أغلبية الشرفاء لا يملكون المال الكافى للحصول على منافسة شريفة؟
    وانا معك فى هذا الرأى
    لكــــــــــــــــــــن
    إن من إيجابيات ثورة 25 يناير أنها كتبت النهاية المحتومة للزواج غير الشرعى بين رجال الأعمال والسلطة، وكما قال الدكتور سمير رضوان، وزير المالية الجديد، بأن القطاع الخاص إذا كان يريد الاستمرار فى العمل، فلابد أن يكون ذلك ضمن ضوابط ورقابة، وبعيدا عن استغلال السياسة.
    لكن المشكلة الحقيقية هى فى تكوين الاحزاب وهى التى سيحكمها من معه المال ومن هنا تأتى المشكلة!!
    ومن هنا يأتى دور وعى الشعب.. رغم انى اشك فى هذا على ضوء ماتمر به البلاد من فوضى وبلطجة ومطالب فئوية واعتصامات والتيارات الدينية التى ظهرت مؤخرا على السطح والانفلات الامنى والحال الاقتصادى
    التى يمر بها البلاد.....الخ
    واشعر احيانا اننا نذهب الى المجهول
    !!!!!!

    ردحذف
  2. القلب الحزين:
    مساوئ الديمقراطية موجودة في كل مكان في العالم.. الشباب الآن معتصمون في إسبانيا وأعلنوا أن الديمقراطية لم تعد تصلح لتحقيق تطلعاتهم، وأن التونسيين والمصريين فتحوا لهم الباب للتغيير، وأنهم لم يعودوا يقبلون بمسرحية الانتخابات كل أربع سنوات لتسليم مصائرهم لأناس مجهولين لا يعبرون عنهم، وأنه حان الوقت للبحث عن آليات جديدة للديمقراطية.. وهذا ما كنت أقوله هنا وأتنبأ به، خاصة حينما ظهر التناقض الواضح بين القرارات التي يوافق عليها النواب من خطط التقشف الحكومية، وبين اعتراضات الناس في الشوارع!!
    أيضا: كنت أرجو أن تلاحظ كيف تنبأت في هذا المقال عن ورطة الديمقراطية قبل حتى تنحي مبارك، وأن مشكلة مجلس الشعب أخطر من بقاء مبارك أو ذهابه، وأنت ترى الآن كيف اجتمعت النخبة العلمانية على رفض الاستفتاء وتدعو إلى تأجيل الانتخابات، لأنها لا تقبل بمجلس إلاسلامي، وهم أنفسهم سيتلقون صفعات كبيرة بعد هذان لأن أمريكا لن تسمح للمجلس أن يكون يساريا ولا قوميا أيضا، وسينقسم التيار العلماني نفسه بعد أن ينجح في تحجيم الإسلاميين إن نجح في هذا أصلا.. وأخشى أن تجرنا هذه الصراعات الأيدلوجية إلى مراحل متقدمة من الفوضى الله أعلم كيف ستنتهي.
    تحياتي

    ردحذف
  3. دعاء جاد الله8 يوليو 2011 في 3:21 م

    لى تعليق على هذه العبارة "ألن تكون الأمور أيسر لو كان اختيار الرئيس يتم بواسطة النخبة، حيث يمكن للمسئولين طرح الأوراق كاملة أمام هذه النخبة، كي يمكنهم التوصل إلى اختيار أفضل من يقود مصر في هذه المرحلة الدقيقة،" فهذا تحديدا نظام مبايعة ولى الأمر فى الإسلام حيث يقوم أئمة الحل و العقد و هم بمفهومنا المعاصر نخبة او صفوة المجتمع و عقلاءه بإختيار ولى الأمر أو الحاكم بعد ان يتشاوروا فيما بينهم ثم يجتمعوا عليه

    ردحذف
  4. الأخت دعاء جاد الله:
    أتفق معك، وهذا ما أقصده، وأشرت إليه في مواضيع أخرى.. لكني أقدم البديل العصري لأهل الحل والعقد، على أنهم خبراء السياسة والوزراء والسفرا والمحافظون وقادة المؤسسات المدنية والنقابات والجامعات والقضاة وكبراء كل طائفة ككبار علماء الأزهر وكبار القساوسة... إلخ.. وطبعا هذا يختلف تماما عمن نخبة أمن الدولة الحالية، إذ يجب أن تكون كل هذه المؤسسات مستقلة وانتخاباتها نزيهة، لكي يكون إفراز النخبة صحيحا وحقيقا.
    تحياتي

    ردحذف

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

صفحة الشاعر