الحجة العصماء في الرد على المشككين في نتيجة الاستفتاء
الذين يدّعون أن من قالوا نعم في الاستفتاء تم خداعهم باسم الدين والإيمان والكفر ودخول الجنة والنار وخدعة الاستقرار وأيضا الرشوة المالية والمادية وكل هذه الافتراءات والخزعبلات.. أحب أن أذكرهم بالتالي:
1- رغم مرور شهرين ونصف على الاستفتاء، لم يأتِ لنا واحد منهم حتى الآن بتسجيل صوتي أو مرئي لداعية أو شيخ يفتي بالإيمان والكفر أو الجنة والنار لمن يدلي بصوته في الاستفتاء.. هذه كذبة أطلقوها وصدقوها ويحاسبوننا عليها الآن!!.. كل داعية له مريدون يسجلون أقواله وخطبه وينشرونها رقميا لحشد المؤيدين، وأظنكم كلكم تتناقلون فيديو غزوة الصناديق بمنتهى الحماس الجنوني.. فأين فيدو الجنة والنار؟.. بل أسهل من هذا: ما اسم الشيخ الذي قال هذا الكلام؟!
2- هناك 14 مليونا قالوا نعم و 4 ملايين فقط قالوا لا.. وصم 14 مليون إنسان بالجهل هو الجهل بعينه لكن لمن يقول ذلك، لأسباب كثيرة أهمها أن هؤلاء هم الشريحة المثقفة والمتعلمة أصلا.. لا تنسوا أن المتاح لهم التصويت كانوا حوالي 44 مليونا.. إذن فلم يذهب إلى التصويت حوالي 26 مليون مصري يشملون كل من لم يتمكنوا من التصويت بسبب السفر إلى الخارج أو طبيعة أعمالهم أو حالتهم الصحية أو كبر سنهم، والنساء اللاتي لا يحببن المشاركة، ومنهم كذلك الفئات الأقل تعليما والأكثر سلبية وهي التي يدّعي المهزومون أن رجال الدين خدعوهم، وأنا أقول إن هؤلاء لم يهتموا أصلا بكل هذا التراشق اللفظي ولم يفهموا ما هو الدستور ولا ما هي أهمية التصويت ولم تعنِهم النتيجة.
3- إذا قال قائل: بل المتعلمون هم الذين لم يذهبوا إلى الاستفتاء وذهب إليه الأميون والجهلة، فأنا أقول له: هذا شيء عجيب أن يذهب الأميون والجهلة ولا يذهب المتعلمون!!.. فإن صدقناك لكان هذا معناه أن شيوخ الدين ـ مشكورين ـ قد حفّزوا الجهلة للذهاب إلى الاستفتاء، وفي الحقيقة هذا إنجاز ديمقراطي غير مسبوق يجب أن تكافئوهم عليه، وفي المقابل يجب أن تعاقبوا كل مثقف وخبير وسياسي ومفكر وصحفي ورئيس تحرير ومذيع ومقدم برامج ومدير قناة على فشله في حشد الطبقة المتعلمة وراءه، وعدم قدرته على جعلها تذهب إلى الاستفتاء!!!.. لقد كان الإسلاميون يعملون في المجتمع وصنعوا شعبية طوال 60 عاما مضت رغم كلاب أمن الدولة والتعذيب والمعتقلات والإقصاء الإعلامي والتشويه المتعمد لهم في الأفلام والمسلسلات.. فماذا كنتم أنتم تفعلون طوال كل هذه السنوات وفي أيديكم كانت كل وسائل صناعة الوعي؟
4- فشلكم في الاستفتاء يقول إنكم فشلتم في التأثير في الناس، فإما أنكم لا تتمتعون بالكفاءة ولا تملكون المهارات اللازمة سياسيا وإعلاميا وفكريا ولهذا يجب استبدالكم، وإما أن أفكاركم نفسها فاسدة ولا يمكن مهما فعلتم أن تروّجوها في مصر.. وأنا أؤيد السببين معا!.. وفي النهاية الديمقراطية صُنعت لاستبعاد الأفكار الفاسدة والسياسيين الفاشلين عن طريق الاحتكام للشعب والخضوع لاختيار الأغلبية، بينما الاستبداد هو الذي يتيح لمن يظنون أنفسهم عباقرة وجهابذة الحكم على الشعب وسوقه كالقطيع!!
5- ثم: إن سلمنا جدلا بكل الافتراءات المستحيلة: الشيوخ أفتوا بالجنة والنار، والجهلة ذهبوا إلى الاستفتاء والمثقفون قعدوا في بيوتهم مع الأطفال، تظل الحقيقة في النهاية أن الديمقراطية تقرر أن الأغلبية هي التي تحدد مصير البلد، بغض النظر عن وضع هذه الأغلبية ثقافيا، أو الطريقة التي تم بها إقناعها برأيها.. الديمقراطية سوق للأفكار يعرض فيها كل إنسان بضاعته وهو وشطارته.. والإسلاميون ليسوا هم من جعلوا للأميين أصواتا في الانتخابات، ولا لكل من بلغ سن 18 سنة، ولا للمرأة، ولا هم من جعل صوت المتخصص الخبير يساوي صوت الفتى الغرير أمام صندوق الانتخاب.. العلمانيون هم من استورد لنا هذا النظام العقيم من الغرب وتغنوا بمحاسنه وشوقونا إليه، وظلوا يقولون لنا الديمقراطية هي الحل، فكيف بنا الآن نفاجأ برفضهم لها واكتشافهم لعيوبها المريعة بعد أول هزيمة؟.. وهل هذا معناه أن الديمقراطية ليست الحل؟.. إذن فما هو الحل؟
6- إن كان 14 مليون إنسان ـ وهم قشدة المواطنين الإيجابيين الفاعلين في المجتمع الذين خرجوا من بيوتهم وعطلوا مصالحهم واحتملوا الوقوف في طوابير طويلة ليدلوا برأيهم ـ إن كانوا جهلة ومخدوعين ولم تنفع في تغيير رأيهم كل وسائل الإعلام العلمانية والحجج المقنعة وفتاوى الفقهاء الدستوريين والقانونيين، فاسمحوا لي أن أخبركم بهذه الحقيقة المخيفة: مصر ذاهبة إلى الجحيم يا سادة، وعليكم أن تهربوا منها فورا، فأفضل من فينا حثالة والأتقياء الأنقياء الذين يرفعون شعار الإسلام مضللون، والنخبة هزيلة لا تأثير لها، ولا أمل في تغيير أي شيء في المستقبل.. إذن فالديمقراطية لا تصلح لنا، ولو حاولنا العودة إلى الديكتاتورية فسندخل في سلسلة انقلابات وحروب أهلية تدمر البلد بسبب هياج هؤلاء الغوغاء الرعاع.. لهذا فالأفضل لكم ـ وهذه نصيحة مخلصة مني ـ أن تهربوا من مصر فورا إلى أي دولة ديمقراطية تثقون بشعبها ورجاحة عقله وتَوفّر علمه وحسن اختياره، فأنتم عباقرة متميزون لم تُخلقوا لهذا البلد، ولا يستحقكم هذا الشعب الجاهل المنحط!!!
7- من المهم أيضا أن نعلم حقيقةً إحصائيةً بسيطة: كلما قلت العينة الإحصائية، كان من السهل التشكيك في نتيجة التجربة، بسبب سهولة التلاعب فيها وتوجيهها.. لكن حينما تحتوي عينة التجربة على 18 مليون إنسان، في مشاركة جماهيرية هي الأولى من نوعها في تاريخ مصر، ويُجمع 14 مليونا منهم على رأي واحد، فإن الادعاء بأنهم كلهم أغبياء أو جهلة أو مخدوعون باسم الدين أو مرتشون أو.. أو... يكون جهلا من القائل نفسه، فلا يمكن عمليا ولا إحصائيا خداع كل هذا الكم من البشر بهذا الشكل، ولا يمكن أصلا أن يكونوا كلهم من فئة واحدة أو فهم واحد أو ثقافة واحدة أو توجهات واحدة.. كان من الممكن أن أصدقكم لو كان من قالوا لا 9 مليون ومن قالوا نعم 9 مليون وبضعة آلاف.. ساعتها كان يمكن أن تدعوا أن قلة مغررا بها هي التي رجّحت الكفة وحسمت النتيجة لغير صالحكم.. لكن حينما يقول عدد بهذا الحجم نعم ويكون الفارق بينهم وبين ومن قالوا لا 10 مليون إنسان، فإن الديمقراطية تقول بمنتهى الثقة إن نعم هي الاختيار الصحيح، لأن 14 مليون عقل حللوا الأمر من جميع جوانبه وحسبوا جميع الخسائر والمكاسب واتفقوا في النهاية على أن نعم هي الاختيار الصحيح.
8- وحتى لو افترضنا جدلا أن اختيار الأغلبية غير صحيح وفاتهم شيء معين لنقص العلم والخبرة، فإن مجرد إجماع 14 مليون إنسان على نفس الاختيار، يعني وحدتهم من أجله وحماسهم لإنجاحه، وجديتهم في تنفيذه، وهذا هو الشيء الوحيد في الديمقراطية الذي أتفق معها فيه.. فما دامت الأغلبية موحدة الهدف، فهي ستنجزه وستعرف كيف تحل أية مشاكل عند تطبيقه، ولهذا تتقدم الدول موحدة الهدف، التي لا تشتت جهودها داخليا في جدل سفسطائي، لأن الجميع يتبنون رأي الأغلبية ويعملون على إنجاحه.. لهذا أيها السفسطائيون المهزومون رجاء: اطمئنوا واتركوا مصيركم في يد 14 مليون إنسان أجمعوا أمرهم وتوافقت نيتهم، فهم عازمون على الوصول بكم إلى بر الأمان بإذن الله.
9- أما من يقولون إن التصويت أساسا كان خطأ لأنه على دستور مبارك الذي أسقطته الثورة، فأقول له إن الشعب سمع هذا الكلام قبل الاستفتاء ولم يقتنع به.. لقد اختارت الأغلبية تعديل دستور السادات أو مبارك أو أيا كان اسمه، ورأت أن هذا كاف في المرحلة الانتقالية، فكل المهم في التعديلات هو تحديد مسار المرحلة الانتقالية ووضع أسس المرحلة الجديدة عبر الانتخابات النيابية أولا.. لهذا رجاء تعلموا أبجديات الديمقراطية: مهما كان ما تظنونه خطأ فرأي الأغلبية يجعله صوابا.. لقد سمعوا حجتكم بالفعل ورفضوها رغم ملايين النقاشات التي دارت في المنتديات وشبكات التواصل الاجتماعي وعلى شاشات الفضائيات وصفحات الجرائد.. إذن فحجتكم غير مقنعة، وبالتالي تم رفضها ديمقراطيا.. رفعت الأقلام وجفت الصحف.
10- الطعن في الاستفتاء يكون حول إجراءاته، وليس حول كيفية إقناع الناس باختياراته.. أعني: ما دام الاستفتاء تم بإشراف قضائي ولم يتم فيه تلاعب أو تزوير، فليس لأحد أن يعترض على النتيجة.. هذه تسمى "حمرقة" طفولية على غرار (مش لاعب).. ولو جارينا من يفعل هذا وألغينا نتيجة الاستفتاء، فالنتيجة الطبيعية أن أي انتخابات أو استفتاءات تالية لن يكون لها قيمة، لأن المهزوم دائما سيحمرق ويقول "وأنا أيضا مش لاعب" ويبدأ في التشنج على الفضائيات والصياح في الميدان وإشعال البلد إلى أن تلغى الانتخابات!!.. لهذا فإن لعبة الديمقراطية تقوم أساسا على الرضا بالنتيجة أيا كانت، والاستفادة من أخطاء المحاولة السابقة لتحسين النتيجة في الانتخابات التالية.
11- أخيرا أقول للمهزومين: لديكم 26 مليون إنسان لم يؤثر فيهم الإسلاميون ولا العلمانيون ولم يذهبوا إلى الاستفتاء، وهم أولى بالتركيز لإقناعهم بالمشاركة في المرات القادمة، وهذا يحتاج إلى تسويق كل فريق لأفكاره لديهم، لأنهم أكبر من مجموع من صوتوا بنعم ولا معا، ويستطيعون قلب المعادلة.. أليس العمل البناء أفضل من الصراخ الهستيري وتضيع البلد في نزاعات فوضوية لا معنى لها؟.. أم أن العلمانيين يظنون أن هؤلاء الـ 26 مليونا لن يختلفوا عن الـ 18 مليونا؟.. وهل هذا شك في قدرات العلمانيين أم في منهجهم نفسه؟
أظن هذا يكفي ويرد تماما على كل الافتراءات والتشكيكات ويخمد كل الغبار الذي أثاره العلمانيون.
بالمناسبة: نسيت أن أخبركم أنني واحد من السذج الذين قالوا نعم في الاستفتاء دون أن آخذ صك غفران ولا كيلو أرز أو سكر ولا خمسين جنيها ولا أي شيء إطلاقا (يا لي من مغفل أضاع الفرصة الذهبية!!).. وما قرأتموه أعلاه هو طريقة تفكيري.. فهل يحق لي يا عباقرة البلد بعد إذن فخامتكم، أن أضع صوتي في الانتخابات التالية، أم أنني لا أصلح إلا لدخول الجنة الموعودة للمصوتين في زعمكم؟!
محمد حمدي غانم
30/5/2011
ملحوظة:
من المهم أيضا قراءة المواضيع الموجودة تحت التصنيف الفرعي "لا للديمقراطية" التي أسهبت فيها في نقد الديمقراطية واقتراح آليات جديدة لحل مشاكلها، وخاصة موضوع "ورطة الديمقراطية في مصر"، الذي تنبأت فيه بورطة الانتخابات التي نحن فيها الآن قبل حتى تنحي مبارك.. وإن شاء الله سأضيف اقتراحا قريبا حول تحويل مجلس الشورى إلى مجلس تخصصي يحقق دور النخبة في الحياة السياسية بآلية بسيطة وعملية، وهذا من وجهة نظري أفضل من إلغائه.