المتابعون للمدونة

الخميس، 24 مايو 2012

الخيال والواقع

الخيال والواقع

قرأت ذات مرة أنّ أحد الشباب المتزوّجين كان مشتركا بأحد المنتديات، وكانت زوجته مشتركة أيضا بنفس المنتدى، دون أن يدري أحدهما بأمر الآخر.
ولقد أعجبَ هذا الشابّ بمشاركاتها وبمواضيعها، وتطورت العلاقة بينهما، حتى تكلم معها عبر برنامج Messenger.
وفي يوم من الأيام سألته هل هو متزوج أم لا، فردّ عليها بالنفي، وأخبرها بأنه يحبها ويريد مقابلتها.. ولكنها أخبرته بأنها متزوجة من شخص تحبه جدا.. اعتذر وطلب منها ألا تكلمه بعد ذلك.
وبالصدفة وأثناء تشغيله حاسوب زوجته، دخل على المنتدى ولاحظ أن اشتراك زوجته هو نفسه اشتراك الفتاة التي كان يكلمها.. تفاجأ ولم يخبرها.. ومنذ ذلك اليوم وهو يحترمها، وكلّ يوم يقول لها: "أنا أحبّك يا أعظم زوجة"، وهي لا تعلم ما سبب هذا التغيّر المفاجئ!
وبغض النظر عن كون هذه القصة واقعية أم خيالية، ومع تحفظنا على سماح هذه الزوجة لنفسها بالحوار مع شخص آخر غير زوجها، أرى أن هذه القصة تلفت نظرنا لحقيقة غريبة، وهي أن الفارق بين الحبّ والزواج، هو الفارق بين الخيال والواقع:
فالخيال لذّته لا تنتهي..
والواقع سريعا ما يزهده الإنسان.. أو على الأقلّ، يفقد إحساسه بجاذبيّته المطلقة.
الخيال يجذب القلبَ ويشغف النفس..
والواقع يجثم علينا بمشاكله ورتابته.
الخيال مطلب..
والواقع فرض!
لهذا فأنا لا أستبعد حدوث مثل هذه القصّة.
نعم: يزهد الزوج في زوجته بالمنزل، ويعشقها على الإنترنت..
لأنّه لا يراها في المنزل إلا منشغلةً عنه..
تستقبله بأنواع المشاكل والهموم والصراعات الأسريّة..
تنسى أن تمتدح مميّزاته..
تنسى أن تقول له كلمة حبّ.
ربّما يدفعها لذلك أنّه أيضا يعود مرهقا فيهملها..
أو أنّها امرأة عاملة، وتعود مرهقة هي الأخرى..
ولكن مهما كانت الأسباب، فإنّ هذا يؤدّي إلى هبوط مشاعرهما من عالم الخيال إلى أرض الواقع، حيث تتقلّص مساحات الحوار بينهما، بحيث لا تتعدّى نطاق الكلمات الروتينيّة اليوميّة الجافّة.
أمّا على الإنترنت، فإنّ المرأة تكتسب سحرا خاصّا:
إنّها غير مزعجة..
إنّها لا تتحدّث في مشاكل شخصيّة..
إنّها مثقّفة.. مرحة.. هادئة غير عصبيّة..
إنّها رائعة الجمال (كما يصوّر للرجل خياله)..
إنّها جنّة رائعة، تشغل وقته بالتفكير فيها باستمرار..
إنّ هذه القصّة تحدث كثيرا، ولكن بأشكال أخرى..
تحدث عندنا في المجتمع المصريّ بين بعض الموظفين والموظفات في أماكن العمل المختلطة، وتؤدّي إلى الطلاق وخراب البيوت.
وبعد أن يلتقي بطلا القصّة "المراهقان" بالزواج، يزول عالم الخيال، ويرزحان من جديد تحت أعباء عالم الواقع!
وفي هذه الحالة، يفضّل كلّ منهما واقعه القديم ويندم على خسارته!
نعم: الحبّ جميل ولذيذ.. ولكنّه مجرّد خيال!
أمّا الزواج فهو الحياة.. بحلوه ومرّه.
طوبى للزوجة التي لا تُشعرُ زوجها أنّها مفروضة عليه بورقة..
التي لا تهبط به أبدا من جنان الخيال!

ملحوظة:
لنفس هذا السبب، ينصح علماء الاجتماع بعدم إطالة فترة الخطبة، لأنّها تفقد جمالها بالتدريج، بحيث تحلّ مشاكل الواقع محلّ روعة الخيال، وفي هذه الحالة يفضّل كلّ طرف الهروب ما دام لا يزال على البرّ، وتفسخ الخطبة لمشاكل قد تبدو تافهة أمام مشاكل الزواج.. أمّا بعد الزواج، فإنّ كلّ طرف يحاول بذل أقصى ما يستطيع لإنقاذ المركب من الغرق، حفاظا على المصير المشترك وسعادة الأطفال.

هناك تعليقان (2):

  1. يحدث الانفصال بين الواقع و الخيال بنسبةٍ أكثر من الآخرين مع الحالمين الذين لا ينظرون للواقع مطلقاً، أما من لا يُهمل الحسابات الواقعية و يعمل لها حسابها فيكون بإمكانه تحصيل أكبر قدرٍ ممكن من أحلام الحالمين.
    المشكلة الكبري تأتي من تعقد الظروف و الأحوال، فلو نظرنا مثلاً إلي زوجٍ و زوجةٍ مثاليين، و افتراضاً أنهما مصريان: فسيكون الغلاء سبباً في: عمل الزوجة، و عمل الزوج لفتراتٍ أكبر و أكبر، و الانفلات الأخلاقي في الشارع سيؤدي إلي تشويه نفسيات الأطفال، فما بالك لو كان الأب أو الأم أو كلاهما حالماً لا يقدر الواقع من الأصل !
    البيئة المحيطة من أكبر أسباب فشل الفاشلين الذين حاولوا كثيراً و لم يستطيعوا بلوغ أحلامهم.

    ردحذف
  2. أتفق مع م. وائل..
    ولكني أتحفظ على مفهوم الناس عن الحاجة التي تدفعهم إلى تحميل نسائهم عبئا إضافيا يأتي على حساب رعاية أبنائهم.. فمعظم من يسعون خلف النقود يريدونها لمزيد من الرفاهية وليس لاحتياج أساسي دونه الهلام والتشرد.. وحجتهم في هذا أننا لا نريد أن يعيش أولادنا في مستوى أقل من أولاد من حولنا.. أو لو كان من حولهم يسيرون إلى تعاسة أكيدة وهلاك محتوم؟
    طوبى لمن رضي بما يكفيه.
    تحياتي

    ردحذف

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

صفحة الشاعر